وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ٩٤
كالغريق يغطشه الموج، فيتعلق بأرجل الضفادع، فاجتهد جهدك، فلست أنزل إلا على حيث تكره، ولا اجتهد إلا في ما يسؤك، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه الطالب إليه والسلام.
فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه، وبعث إلى المغيرة بن شعبة وخلا به، وقال له: يا مغيرة إن زياد قد أقام لنا بفارس يكش لنا كشيش الأفاعي، وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة، وقد كنت أخشى منه إذا كان صاحبه وأخشى ممالاته حسنا، فما الحيلة في إصلاح رأيه؟، فقال المغيرة:
إن زياد يحب الشرف والذكر وصعود المنابر، فلو لاطفت له المسألة وألفت له القول لكان أميل إليك، فاكتب إليه كتابا وأنا الرسول، فكتب:
من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان، أما بعد، فإنك قطعت رحمك، ووصلت عدوك، وحملك سوء ظنك بي على أن قطت رحمي، ووصلت خصمي، وعققت قرابتي، حتى كأنك لست أخي، وليس صخر بن حرب أباك وأبي، وقد رأيت أن أعطف عليك ولا أؤاخذك بسوء فعلك، واعلم انك لو خضت البحر في طاعة بني هاشم ما ازددت منهم إلا بعدا، فإن بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع، فارجع إلى أصلك واتصل بقومك، فقد أصبحت ضال النسب، فإن أحببت إجابتي فثق بقولي، وإن كرهت إجابتي ففعل جميل لا إلي ولا علي والسلام.
فرحل المغيرة بالكتاب حتى دخل على زياد، فدفع إليه الكتاب، فجعل يتأمله ويضحك فلما فرغ من قراءته قال: حسبك يا مغيرة أني أطلعك على ما في ضميري، إني صاحب رؤية في نفسي، فلا تعجل علي ولا تبدأني بشئ حتى أبدأك به، ثم غلبت عليه الشقاوة وحب الجاه والرئاسة، فصعد المنبر بعد ثلاثة أيام، ثم قال:
أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، وارغبوا في دوام العافية لكم،
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست