خطباء ربيعة ومضر الذين ألسنتهم كالمخاريق، فإذا جد الجد فيراوغون كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله؟ أما تخشون عيبها ولا عارها؟ ثم استقبل الحسن بوجهه وقال: أصاب الله بك المراشد، وجنبك المكاره، ووفقك لما تحب وترضى، يا بن رسول الله قد سمعنا مقالتك إلى أمرك، وسمعنا لك فيما قلت وما رأيت، فهذا وجهي إلى معسكري ولا أرجع إلى منزلي، فمن أحب أن يواتيني فليواف معي.
ثم مضى لوجهه وخرج من المسجد ودابته بالباب، فركبها ومضى إلى النخيلة، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه من الزاد، وبفرسه وبلامة حربه، فألحقه غلامه بذلك، فكان عدي بن حاتم أول الناس معسكرا، وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومغفل بن قيس الرياحي، وزياد بن خصفة التيمي، فأنبوا القوم ولا موهم على التثاقل، وحرضوهم على الخروج إلى الجهاد، وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول، وقال لهم الحسن: صدقتم، ما زلت أعرفكم بحسن النية، والوفاء، والقبول، والنصية، والمودة الصحيحة، فجزاكم الله خيرا، ثم نزل وأمر إخوته بالتجهز فتهيئوا، وخرج الناس إلى معسكرهم، ونشطوا بعد تكاسلهم، وخرج الحسن والحسين وإخوته إلى المعسكر، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره أن يحث الناس على الخروج. فجعل المغيرة يحثهم ويخرجهم حتى تكامل العسكر، وكان غالب من معه من أخلاط الناس بعضهم خوارج محكمة يؤثرون معاوية على كل حال، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين، وليس معه من شيعة أبيه إلا فرقة قليلة، بعض من الأنصار وبعض من همدان وإخوته وأهل بيته.
فسار الحسن في عسكر عظيم وعدة حسنة، حتى نزل دير عبد الرحمن، فأقام فيه ثلاثة أيام، حتى اجتمع الناس، ثم دعى عبيد الله بن العباس، فقال