الحق، وقمع به الشرك، وأعز به العرب، وشرف به قريش خاصة، فقال (وإنه لذكر لك ولقومك فسوف تسألون) (1)، فلما توفاه الله تعالى تنازعت العرب الامر بعده، فقالت قريش: نحن عشيرته وأوليائه فلا تنازعونا سلطاننا، فعرفت لها العرب ذلك وجاحدتنا قريش ما عرفته لنا العرب، فهاهنا ما أنصفتنا قريش، فمضوا على ما مضوا عليه، ولا غرو إلا منازعتك إيانا هذا الامر بغير حق في الدنيا معروف، ولا أثر في الاسلام محمود، فلله الموعد نسأل أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا عنده في الآخرة. إن عليا لما توفاه الله تعالى ولاني الامر بعده، فاتق الله يا معاوية، وانظر لامة محمد ما تحقن به دماؤها وتصلح به أمرها، وبايع كما بايع أولو الفضل والدين والسلام.
وبعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التيمي تيم الرباب، وجندب الأسدي، فقدما على معاوية ودفعا له كتاب الحسن (ع)، ودعياه إلى البيعة فلم يجبهما، وأظهر الشماتة بموت أمير المؤمنين (ع)، وكتب إلى الحسن كتابا فيه رد جوابه:
أما بعد فقد فهمت ما ذكرت به رسول الله وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله، وذكرت تنازع المسلمين الامر بعده بتهمة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وصلحاء المهاجرين، فكرهت لك ذلك، إن الأمة لما تنازعت الامر بعد نبيها رأت قريشا أحقها به: فرأت قريش والأنصار وذو الفضل من المسلمين أن يولوا من قريش أعلمها وأخشاها له وأقواها على الامر، فاختاروا أبا بكر، ولم يألوا ولو علموا مكان أبي بكر رجل غير أبي بكر يقوم مقامه ما عدلوا بالامر إلى أبي بكر، والحال الآن بيني وبينك على ما كانوا عليه، فلو علمت أنك أضبط لأمر الرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأكيد للعدو، وأقوى على جمع الفئ مني، سلمت إليك الامر بعد أبيك [الذي] سعى على عثمان