وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ٩٦
الصالحين الأخيار، ليظن المسلمون بهم خيرا، فما زالوا بذلك حتى أشركوهم في أماناتهم، فجاهدهم ولا ترض دنية ولا خسفا، فإن عليا لم يجب إلى الحكومة حتى غلب أمره فأجاب، وإنهم يعلمون أنه أولى بالامر إن حكموا بالعدل، فلما حكم بالهوى رجع إلى ما كان عليه حتى أتاه أجله، فجاهد أعداء الله ورسوله حتى يحول الموت دونك والسلام.
فلما وصل كتاب ابن عباس للحسن وقرأه، قال: لقد نصح ابن عباس فيما يراه، ولكن هيهات أن أخالف سنة سنها رسول الله وأمير المؤمنين بعدهما طلبا لالتماس دنيا، فإن في الحق سعة عن الباطل، ثم أن الحسن لما بلغه توجه معاوية إلى العراق وأنه قد بلغ جسر منبج، تحرك وبعث حجر بن عدي، فأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير، ونادى مناديه الصلاة جامعة، فأقبل الناس يجتمعون من كل جانب ومكان، وقال الحسن: إذا اجتمعت جملة الناس فأعلمني، فجاء سعيد بن قيس الهمداني وقال له: أخرج، فخرج الحسن فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه، ثم قال:
أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها، وقال لأهل الجهاد من المؤمنين (اصبروا فإن الله مع الصابرين) (1) فلستم تنالون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، وقد بلغني أن معاوية رأس المنافقين وابن عدو الله ورسوله بلغه أنا أزمعنا على المسير فتحرك لذلك، وأنه بلغ جسر منبج، فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة، حتى ننظر ونرى وترون.
قال وانه في كلامه ليتخوف خذلان الناس عنه لما يعلم ما في قلوبهم من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى، قال: فسكتوا، فما تكلم أحد منهم ولا أجابوه بحرف واحد، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم الطائي قام وقال: أنا ابن حاتم يا سبحان الله ما أقبح هذا المقام، ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم، أين

(1) سورة الأنفال، الآية: 46.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست