نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٣٦
عذرهم في ذلك عندي، إذا التفرق بين الذات والصفات كثيرا ما يحمل العقول إلى الالتباس ويدفع الأذهان في معنى الاشراك وهذا - مما لا شك فيه - من روائع تأملاتهم في التوحيد وكذلك نلحظ مثل هذه الروابط المتينة بين الإمامية والمعتزلة فيها تعرض له المؤلف من عقائد تتعلق بمعنى (العدل الإلهي، من نحو (وجوب فعل الجميل) على الله تعالى، ونحو (وجوب ترك القبيح) منه تعالى فإنهما ما قالا بهذه المقالة إلا تحرزا عن نسبة الظلم إليه سبحانه ومن ثم يتأول الإمامية استشهاد أهل السنة بقولة تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)، وهم بحكم هذه العقيدة لا يرتضون قول الإمام أحمد الدردير - أحد أعلام السنة والتصوف في القرن الثاني عشر حين يقول في خريدته:
ومن يقل بفعل الجميل وجبا * على الإله فقد أساء الأدبا ومع هذا فأنا - أيضا - آخذ لهم في ذلك العذر كل العذر للذي تنطوي عليه أفئدتهم من جميل القصد وهو التحرز من نسبة الظلم إليه سبحانه ولو كان ذلك من قبيل توهم الظلم والحق أن لكل من الطائفتين: المعتزلة والشيعة الإمامية في جانب وأهلي السنة والصوفية في جانب آخر - وجهته في الثناء على المكان الإلهي فالمعتزلة والإمامية يؤثرون الدفاع عن جانب (العدل الإلهي).
أما أهل السنة والصوفية وجماعة من السلف الصالح فإنهم يؤثرون جانب الدفاع عن (الحرية الآلهية) أي الحرية المطلقة لله سبحانه، وهي الحرية التي لا تقيدها قيود ولا تعلوها قوة أخرى والتي يستشهدون لها بقولة: (لا يسأل
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»