نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٣٧
عما يفعل) ولكل من الجانبين المتضادين - في نظر المنهج العلمي الحديث - وجهة هو موليها ويلحق بهذا القدر قول المؤلف في (القضاء والقدر) وهل الإنسان مسير أم مخير؟ أو على حد تعبير الإمامية: هل الإنسان مجبر أو مفوض؟
وهذا المبحث وإن كان شديد الارتباط بفلسفة العدل الإلهي التي شابهم فيها المعتزلة، إلا أننا نلحظ على الإمامية في هذا المقام أنهم يسلكون مسلكا آخر، مسلكا وسطا فلا يقولون بالجبر المطلق الذي قال به فريق الجبريين، الملقبين بالجهنمية، كما أنهم لا يقولون بالتفويض المطلق الذي قال به فريق (المفوضين) الملقبين بالقدرية من المعتزلة أما عن عدم قولهم بمقالة الجبريين فلأن القول بالجبر ينفي عن الإنسان الإرادة والاختيار أصالة ويجعله لعبة في يد الأقدار، أو كالريشة في مهب الرياح وإذا كان كذلك صار حساب الله له - في عرضهم - عما يرتكبه من خطأ ظلما فاحشا لأنه لا سلطان له حينئذ في اختياره، ولا إرادة له تمنعه من الوقوع في ذلك الخطأ، فهم ينكرون هذا الجبر لأنه ينفي عن الله صفة العدل، وفي هذا يقول الشاعر معبرا عن ذلك:
ألقاء في اليم مكتوفا وقال له * إياك إياك أن تبتل بالماء - وأما عن تركهم رأي القائلين بالتفويض المطلق، والاختيار المطلق فلأنه يجعل المرء في أفعاله وأقواله مستقلا عن إرادة الله وقدرته، فهو - في نظرهم - رأي المفوضين والقدريين الذين يقولون إن الإنسان يخلق أفعال نفسه دون تدخل لقدرة الله في هذا الفعل
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»