وقد اتخذ الذين جاؤوا من بعدهم من علماء فقه أهل البيت مرقد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مقرا لهم وامتدادا لمدرستهم، خاصة عندما تبدلت ظروف الكوفة من الهجرة بعد انتقال عاصمة الخلافة العباسية إلى بغداد وتشتت العلماء وانتقال بعضهم إلى بغداد والبعض الآخر إلى النجف الأشرف لقربها من الكوفة متخذا من جوار الإمام الطاهر مركزا للعبادة والتحصيل العلمي بصورة مبدئية، ومستمدا من أنواره وبركاته (عليه السلام).
هجرة الشيخ الطوسي عندما احتل طغرل بك السلجوقي بغداد وتولى حكمها من قبل القائم العباسي وقوض دعائم الحكم البويهي، هبت سنة 449 ه عاصفة فتنة طائفية هوجاء على الشيعة، يقودها أهل السنة بدفع من القائم العباسي وتشجيع من السلجوقيين، واستفحل الأمر جراء تلك الأحداث الخطيرة فأحرقوا (1) مكتبة الشيخ الطوسي والتي تعتبر من مكتبات العالم الإسلامي بما تحويه من تراث وكنوز نادرة ثمينة وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام كما يقول ابن الجوزي (2)، وكان يجلس تحت منبره أكثر من ثلاثمائة عالم ومجتهد من علماء الشيعة وعدد كبير من علماء مختلف المذاهب، وشعر الشيخ الطوسي بالخطر المحدق بحياته فقرر الهجرة من بغداد، واختار مدينة النجف الأشرف مقرا له ومركزا لحركته العلمية.