فالنجف تتمتع بميزات خاصة تختلف بها عن غيرها من المدن المماثلة، فهي تمتاز باحتضان مرقد إمام العلم والفضيلة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصي رسول رب العالمين، وفيها قاعدة ثابتة للاشعاع العلمي والفكري، وذلك لوجود الأعلام الذين سبقوا شيخنا الرائد الطوسي (رحمه الله) واتخاذ النجف مركزا لهم، بالإضافة إلى أن النجف تتكئ على أمجاد الكوفة وتراثها؛ للقرب الذي بينهما. والكوفة وإن وقفت ضد آل البيت أياما، إلا أنها علوية في ذاتها وانتمائها، وأصبحت موئلا للشيعة ومركزا لثورات التوابين ومنطلقا لثورات العلويين ضد الحكام الجائرين.
ولما انتقل الشيخ الطوسي (قدس سره) إلى النجف الأشرف وحط رحله واستقر فيها سنة 449 هجرية، كان من الطبيعي أن يظهر دور جديد في حياة هذه المدينة العلوية بعد أن انصرف عن كثير من التزاماته عندما كان في بغداد وبعد تفرغه الكامل إلى تأسيس مركزه الجديد واهتمامه بالبحث والتدريس وإظهار دور جامعة النجف العلمية والارتفاع بها إلى أعلى المستويات العلمية العالية، حتى برزت مظاهر الحياة العلمية الرائدة واضحة للعيان، وأصبحت تضم عددا لا يستهان به من طلاب العلم والمعرفة، وأخذت تتوسع ويتكاثر روادها يوما بعد يوم، ويتأرجح دورها بين النشاط والخمول طيلة ألف عام من عمرها المديد.
كان لا بد لهذه الحوزة الفتية أن يمر عليها زمان حتى تصل إلى المستوى اللائق بها من التقدم العلمي والنضج الفكري لقبول أفكار الشيخ الطوسي وآرائه العلمية ومواكبة إبداعاته بوعي وتفتح ليسجل لمؤسسها دور القيادة والريادة والزعامة بكل تقدير وإكبار.
أدوار جامعة النجف مرت على جامعة النجف الدينية ثلاثة أدوار رئيسية خلال ألف عام من عمرها المديد: