وكان توفيق السماء حليف الإمام (عليه السلام) في مواجهاته مع الجبابرة، وإن بقيت الدولة على حذرها، تنزل بأهل البيت العذاب والتنكيل والقتل والتمثيل وتجعلهم في أسطوانات البناء وهم أحياء للتخلص منهم وإبادتهم، والسعي فيهم بشتى الوسائل حتى تقطع أثرهم.
انتهز الإمامان الصادقان أبو جعفر الباقر وابنه أبو عبد الله الصادق (عليهما السلام) فرصة اضمحلال الحكم الأموي وانشغال بني العباس بتأسيس دولتهم وتثبيت أركان حكمهم، فشيدا البناء على الأسس التي ركز دعائمها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبنائه الكرام، ثم بنى على أساسها الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وأظهر مدرسته الفقهية " فقه آل محمد " في المدينة المنورة، وتعاظمت مدرسته يوما بعد يوم وكثر عدد أفرادها على رغم اشتداد الرقابة عليه من قبل الأمويين بصورة لا مجال لأحد أن يتظاهر بالانتماء لتلك المدرسة، إلا عن طريق المخاطرة بحياته، ومع هذه الشدة وتلك الرقابة، فقد كانت سيرة مدرسة أهل البيت محسوسة وكفاحها متواصلا، وقد خرجت عددا كبيرا من أساطين علماء الأمة الذين أصبحوا مصدرا للحديث ومرجعا للأحكام والفتوى، ثم جاء دور الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وبنى على أساس ذلك الصرح العظيم وتوسع، وفي عهد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وصلت النهضة العلمية أوجها، حيث تتلمذ عليه ما يزيد على الأربعة آلاف طالب، فكانوا المثل الأعلى في العزوف عن الحكم والسلطان والانصراف إلى بث العلم وتعليم الناس العلم الصحيح والعمل الصالح والأسوة الحسنة لأخلافهم.
وممن تتلمذ على الإمام الصادق: أبو حنيفة ومالك، وهما من أئمة مذاهب أهل السنة، وتأثرا كثيرا به، في الفقه أو في الطريقة، ومالك شيخ الشافعي،