موسوعة المصطفى والعترة (ع) - الحاج حسين الشاكري - ج ١٠ - الصفحة ٢٢٨
ولم تكن دوافع الإمام في اعتزاله وعزوفه عن العمل السياسي التأثر بدوافع زهدية، أو لأن ذلك لا يعنيه، بل باعتبار أن تقلبات الأحداث فرضت وضعا سياسيا معينا، ولعدم ثقته بالقوى التي يفترض فيها أن تكسب الجولة الأخيرة في الصراع، أدى إلى أن يفقد الإمام دوره الطليعي الطبيعي في وسط الصراع، فهو حين لا يملك مبررات التحرك الثوري ونتائجه الإيجابية لنفسه، فمن البديهي أن لا يملك المبرر لتحمل مسؤولية التغيير، الذي لا يتحرك من منطلقات رسالية مخلصة، بل من منطلقات غريزية وذاتية، ظهرت آثارها على تصرفات الحكم وسلوكه فيما بعد، فكرس حياته كوالده (عليهما السلام)، واشتغل في تعليم المسلمين وبث معارف الدين ومعالم الرسالة المحمدية السمحاء، وبث علوم آل محمد، ومنهاج السماء الذي ورثه عن آبائه كابرا عن كابر.
جرت الأمور مجراها الطبيعي للغالبين على الحكم، يطوون أضلاعهم على الخوف، والحقد والحذر من الذين رفعوا شعارهم، ويشهرون أسلحتهم في كل مكان على الشبهة والظنة للمحافظة على دولتهم وعروشهم المزيفة وبقائها، وكان ذوو القربى في طليعة أولئك الذين اتخذوا الحذر منهم، وجعلوهم هدفا لسهامهم، لأنهم يدركون أحقيتهم بالخلافة وشعور المسلمين اتجاههم، فأسعر العباسيون الشحناء عليهم دون هوادة وسالت الدماء بينهم.
والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لعلمه المسبق بنفسية الغاصبين وتصميمهم على البقاء في الحكم مهما كانت النتائج، وترفع الإمام وعزوفه واستعلائه عن هذا الصراع المرير جنبه تلك المذابح، ولكن بعده عنها لا يقيه بطش الحاكم الجبار الحذر المتنمر الذي تدعوه نفسه الشريرة إلى المواجهة الشرسة، وما توسوس له هواجسه الخبيثة، مخافة أهل البيت وشيعتهم.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»