موسوعة المصطفى والعترة (ع) - الحاج حسين الشاكري - ج ١٠ - الصفحة ٢١٣
عليهم من فيض علمه وحديثه، وكانت الدعوة إلى الحق ومناصرة العدل ومساندة المظلوم واجتناب الظلمة الذين تسلطوا على الأمة واستبدوا بمقدراتها وكرامتها، واستهتروا بالقيم والأخلاق، كانت هذه النواحي تحتل المكانة الأولى في تعاليمه وإرشاداته.
أقول: إن ما ذكره السيد هاشم معروف الحسني معلقا - في كتابه " سيرة الأئمة الإثنى عشر " - صحيح ووارد، غير أن عتو الجبار المارد منصور الدوانيقي، وهلعه وخوفه على حكمه، بالإضافة إلى وشاية وعاظ السلاطين، والحاسدين والحاقدين، ورسائلهم المتكررة المملوءة بالبهت، تجعله يفقد صوابه وسيطرته على زمام نفسه، ولكن هيبة الإمامة وقوة شخصيته عندما يقابله تجعله يتضاءل أمام عظمة الإمام ورسالته، حتى آل الأمر إلى أن دس إليه السم الناقع بالطرق التي ذكرها أرباب السير.
وكان مع ذلك يقول:
إن الإمامة لا تصلح إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يملك به غضبه، وحسن الخلافة على من ولي حتى يكون بهم كالوالد الرحيم.
هذا، والمنصور يسمع ويرى كل ذلك، ولكنه كان يقدر إن التحرش بالإمام الصادق والفتك به ستكون له من المضاعفات التي لا يمكن حصر نتائجها وأخطارها، ولولا ذلك لمثل معه نفس الدور الذي مثله مع العلويين من أسرته، وكان قد ملأ بهم المعتقلات والسجون المظلمة وسلط عليهم أعوانه يسومونهم سوء العذاب، حتى إذا مات أحدهم في سجنه من التعذيب تركوه إلى جانب الأحياء ينظرون إليه ويتململون من رائحته، وبلغ بهم الحال أنهم كانوا لا يعرفون أوقات الصلاة إلا بتلاوة أجزاء من القرآن يوزعونها على الليل والنهار، وكانت
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»