ثم جاءت الدولة العباسية، فظن البعض أن الغمة قد انجابت، فإذا ببني العباس أشد إلحاحا في تعقب آل علي (عليه السلام) من بني أمية، فاستمر الإمام (عليه السلام) في عزلته وانصرافه إلى التعليم والإفادة.
وكانت أيام السفاح (أول الخلفاء العباسيين) أربع سنين، وهي مدة غير كافية للقضاء على بني أمية قضاء مبرما، ولا لبناء أسس الملك وترسيخ دعائمه.
ولكنه مع ذلك لم يدع الصادق (عليه السلام) وشأنه، بل بعث إليه من يتعقبه من المدينة المنورة إلى الحيرة ليفتك به، وكان دافعه في الإقدام على هذا العمل الشائن ضد رجل اشتغل بالعبادة والتعليم والإرشاد، فضلا عن كونه من أبناء عمومته، خوفه من أن يتجه القوم إلى الصادق (عليه السلام) ويعرفوا منزلته. وكانت الناس إلى ذلك العهد، ترى أن الخلافة جمع للسلطتين الروحية والزمنية، ولا تراها سلطانا خالصا مبتوت الصلة بالدين.
وبسبب هذه الخشية ترصد المنصور للصادق (عليه السلام)، فرأى الإمام (عليه السلام) منه ضروبا من الآلام والمكاره. قال ابن طاووس: إن المنصور دعا الصادق (عليه السلام) سبع مرات كان بعضها في المدينة والربذة حين حج المنصور، وبعضها يرسل إليه إلى الكوفة، وبعضها إلى بغداد، وما كان يرسل عليه مرة إلا ويريد فيها قتله (1).
وقال ابن حمدون: كتب المنصور إلى جعفر بن محمد (عليه السلام): " لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له. ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عندك؟
قال: فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا.