للنهوض، وتخلف آخرون.
ولما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخروج استخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهله وولده وأزواجه ومهاجره، وقال له: " يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك "؛ وذلك أنه (عليه السلام) علم من خبث نيات الأعراب، وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم، فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها، فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه، لم يؤمن من معرتهم (1)، وإيقاع الفساد في دار هجرته، والتخطي إلى ما يشين أهله ومخلفيه.
وعلم (عليه السلام) أنه لا يقوم مقامه في إرهاب العدو وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها إلا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاستخلفه استخلافا ظاهرا، ونص عليه بالإمامة من بعده نصا جليا.
وذلك فيما تظاهرت به الرواية أن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) على المدينة حسدوه لذلك، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه، وعلموا أنها تنحرس به، ولا يكون للعدو فيها مطمع، فساءهم ذلك، وكانوا يؤثرون خروجه معه؛ لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأي النبي (صلى الله عليه وآله) عن المدينة، وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها. وغبطوه (عليه السلام) على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله، وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر والخطر.
فأرجفوا به (عليه السلام)، وقالوا: لم يستخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إكراما له وإجلالا ومودة، وإنما خلفه استثقالا له. فبهتوه بهذا الإرجاف كبهت قريش للنبي (صلى الله عليه وآله) بالجنة تارة،