مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ٤٥
وأضف على ذلك أن موضوع جواز العمل بالقياس على القول به انما يتحقق في واقعة سكت الشارع عن حكمها، وبعد ارجاعه الأمة إلى أهل بيته والزامه بالتمسك بهم والاخذ بأقوالهم، يجب الرجوع إليهم لا العمل بالقياس، لأنهم عيبة علم النبي صلى الله عليه وآله وهداة الأمة من بعده وأمانهم من الضلال، فكيف يجوز العمل بالقياس مع وجود أئمة من أهل البيت مثل جعفر بن محمد الصادق بين الأمة وهم يقولون ببطلان العمل بالقياس وعلمهم بأحكام جميع الوقائع.
نعم لو لم يكن في أحاديثهم والعلوم المذخورة عندهم عن النبي صلى الله عليه وآله حكم واقعة، تصل النوبة إلى البحث عن حجية القياس والرأي والإخالة في استكشاف حكم تلك الواقعة وعدمها، فلا يجوز الاجتهاد والقياس مع النص.
ومع ذلك كيف يرضى المسلم المؤمن بما آتاه الرسول وبما نهى عنه ان يدين بالقياس ويأخذ بالاستحسان ويعمل على وفق الفتاوى التي يأباها العقل ولا تقرها الشريعة المقدسة السمحاء، وترك أحاديث أئمة أهل البيت المخرجة في جوامع الشيعة، ويضرب على كل هذه الأحاديث والعلوم بالرد ويستند في احكام دينه على روايات النواصب والخوارج والمنافقين والمجاهيل ممن أشرنا إلى بعضهم.
ونختم الكلام في هذا الموضوع بما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال:
ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا، وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد. فأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم انزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه؟ أم كانوا شركاءه فلهم ان يقولوا وعليه ان يرضى؟ أم انزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال (فيه تبيان كل شئ) وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه ولا تكشف الظلمات الا به.
هذا مختصر الكلام في الامر الأول، وهو وجوب الاخذ بأحاديث أئمة أهل البيت وما روى عنهم بالطرق المتصلة إليهم عليهم السلام، ويأتي الكلام في الامر الثاني، وهو حجية أقوال أئمة العترة وافعالهم وسيرتهم ووجوب اتباعهم والرجوع إليهم.
ومما يؤيد صحة هذه الأحاديث ان الفقه الشيعي المستند إليها أوفق بالكتاب والسنة والعقل والشريعة الحنيفية السمحة، كما لا يخفى على كل باحث في الفقه والكتب المؤلفة في خلافات الفقا، كالخلاف للشيخ الطوسي وتذكرة الفقهاء للعلامة الحلي وغيرهما.
ولنعم ما قال ابن الوردي عمر بن المظفر بن عمر التميمي مولف (تاريخ ابن الوردي) وناظم البهجة:
يا أهل بيت النبي من بذلت في حبكم روحه فما غبنا من جاءكم الحديث له قولوا لنا البيت والحديث لنا.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»