أبلج الحاجب، مسنون الخدين، أقنى الانف، أشم أروع كأنه غصن بان، وكان صفحة غرته كوكب درى، بخده الأيمن خال كأنه فتاة مسك على بياض الفضة وإذا برأسه وفرة سحما سبطة تطالع شحمة اذنه، له سمت ما رأت العيون اقصد منه ولا اعرف حسنا وسكينة وحيا.
فلما مثل لي أسرعت إلى تلقيه فأكببت عليه الثم كل جارحة منه، فقال لي: مرحبا بك يا أبا إسحاق لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار وتراخي المزار تتخيل لي صورتك حتى كانا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة، وخيال المشاهدة وانا احمد الله ربى ولى الحمد على ما فيض من التلاقي ورفه من كربة التنازع والاستشراف عن أحوالها متقدمها ومتأخرها.
فقلت: بابي أنت وأمي ما زلت أفحص عن امرك بلدا فبلدا منذ استأثر الله بسيدي أبى محمد عليه السلام فاستغلق على ذلك حتى من الله على بمن أرشدني إليك ودلني عليك، والشكر لله على ما أوزعني فيك من كريم اليد والطول، ثم نسب نفسه وأخاه موسى واعتزل بي ناحية، ثم قال: ان أبى عليه السلام عهد إلى أن لا أوطن من الأرض الا أخفاها وأقصاها اسرارا لأمري، وتحصينا لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من احداث الأمم الضوال، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض ينظرني الغاية التي عندها يحل الامر وينجلي الهلع. وكان عليه السلام انبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم ما ان أشعت إليك منه جزءا أغناك عن الجملة.
[واعلم] يا أبا إسحاق انه قال عليه السلام: يا بنى ان الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي اطباق ارضه وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلى بها، وامام يؤتم به، ويقتدى بسبيل سنته ومنهاج قصده، وأرجو يا بنى ان تكون أحد من أعده الله لنشر الحق ووطي الباطل وأعلا الدين، واطفاء الضلال، فعليك يا بنى بلزوم