المبحث الخامس لا يخفى عليك ان محل البداء بمعناه المعقول المستفاد من الكتاب والسنة ليس جميع الأمور حيث إن الحوادث كما دل عليه العقل والنقل ليست كلها موقوفة غير محتومة بل بعضها محتوم، وبعضها مما هو مكتوب في لوح المحو والاثبات موقوف على امر من الأمور كالدعاء والصدقة وبعبارة أخرى كلما يحدث في العالم وما يعرضه من الحالات والعوارض اما يكون بأمر الله تعالى محتوم الوقوع ليس وجوده أو عدمه أو طر وحالة عليه مثل عروض زيادة أو نقص موقوفا على امر من الأمور وشأن من الشؤون أو لا يكون كذلك بل لوجوده أو فنائه وطرو حالة عليه صورتان، طبيعية وهي ما يقتضيها طبع الكائن، وغير طبيعية وهي ما يمنع مانع طبع الكائن عن التأثير مطلقا أو يؤخره أو يقدمه فمثلا يمكن ان يقال ان لبعض افراد الانسان بحسب القضا الإلهي أو بحسب طبعه واستعداد مزاجه اقتضاء ان يعيش إلى تسعين سنة فلا يعيش أزيد من ذلك الا ان له اجل آخر بل آجال أخرى قبل ذلك فيموت به في ستين مثلا لأمر من المرض وغيره فان وصل الرحم أو تصدق بصدقة يؤخر موته به وكذلك قطع الرحم يعجل فناه قبل الستين استمرار بقائه إلى تسعين بالنسبة إلى كل سنة وكل يوم يمكن ان يكون في علمه تعالى معرضا لخطرات وهجوم ما يقطع حبل عمره ويدفع كل ذلك بمثل الدعا والصدقة وكل ما يدفع البلا من ترك الذنوب وغيره كما يمكن ان يعجل ذلك أيضا بالذنوب الجالبة للبليات.
ويمكن ان يكون الشخص بحسب حالة أو حالات كثيرة موردا لأمور محتومة وبحسب حالات كثيرة أخرى موردا لأمور موقوفة لا يعلم تفاصيل ذلك الا الله تعالى وليس علينا الا الايمان والتسليم والاعتقاد بالبداء اجمالا لا نعرف المحتوم من الموقوف الا باخبار الله تعالى وأنبيائه وأوليائه وفى موارد غير قليلة ربما يعرف الموقوف من المحتوم بالمنامات الصادقة وما يظهر لنا في الوقايع بالامارات والقرائن.
هذا وكل ذلك كما حققناه وذكرناه مرارا لا ينافي علمه تعالى بما تصير إليه الأمور