ربما يسأل فيقال: كيف يجوز ان يمنع في هذا العالم المادي الحاكم عليه الأسباب المادية مثل صلة الرحم والصدقة والدعاء وغيرها عن تأثير الأسباب المادية في مسبباتها، وكيف تؤثر هذه الأمور في حصول مسببات مادية لها أسباب مادية اختصت بها، وكيف يتغير بها السنن السائدة على الكون، والقواعد المحكمة الحاكمة عليها التي قام عليها بإذن الله تعالى وتقديره نظام هذا العالم فمن يزرع الحنطة مثلا يحصد الحنطة ولا يحصد منها الشعير والأرز، ومن سعى وجد واجتهد يحصل أكثر ممن قعد وتهاون وكسل، والنار مقتض للاحراق لا يمنعه من ذلك الا عدم وجود شرطه أو وجود مانعه المادي.
والحاصل ان تأثير المقتضيات المادية في مقتضياتها التي تكون أيضا مادية لا محالة ليس موقوفا على أزيد مما نرى وهو وجود المقتضى والشرط وعدم المانع، وبعد حصول ذلك الذي نسميه بالعلة التامة لا يتخلف المعلول المادي عن علته المادية.
أقول: كان هذا القائل توهم ان القائل بالبداء بمعناه الصحيح انما يقول بتأثير الأسباب الغيبية وعالم الغيب في عالم الشهادة فقط فنمنع من وقوع بعض الحوادث والأمور حتى بعد تحقق سببه المادي أو تؤثر في تحقق ماله سبب مادي بدون تحقق سببه المادي فلا يقع البداء في عالم الأسباب والمسببات العادية التي يدرك الانسان استنادها إلى أسبابها بالحس غفل من أن ناموس البداء جار في الأمور التكوينية سواء كان ذلك أي حصول البداء بواسطة امر مثل الدعا وصلة الرحم، والذنوب والأعمال الصالحة أو بواسطة امر من الأمور المادية فالامر الذي يقع فيه البداء ما ليس وقوعه أو لا وقوعه من الأمور المحتومة بل موقوف في كثير من الموارد على أفعال العباد وكسبهم سواء كان هذا الفعل يعد سببا عاديا في الامر البدائي وجودا أو عدما كسعي العبد أو تكاسله عن السعي والعمل فالذي يقتل نفسه أو غيره لم يحكم عليه بذلك وليس عمله هذا من الأمور المحتومة، والمقتول أيضا لم يكن موته محتوما عليه في هذا الزمان بل كان حياته موقوفة على عدم حدوث ما يقطع استمرار حياته وهو قتله وعلى هذا المبنى يجب على