ويستجيب الدعا ويدفع البلا، ويزيد في الآجال، وينقص منها وانه لغير ما بعباده إذا غيروا ما بأنفسهم ويمحو ما يشاء ويثبت على وفق حكمته، واقتضاء أفعال عباده من الخير والشر فهو كل يوم في شان وكل ذلك لا يجمع مع تعلق علمه بالحوادث من الأزل ولا ريب ان القائل بالبداء بالمعنى الذي ذكرتم له لا يرضى لنفسه ان يكون لازم اعتقاده انكار علم الله تعالى الأزلي بالحوادث واثبات تجدد علمه بها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا إذا فكيف يوفق بينهما؟
أقول: هذه الشبهة، وشبهة المجبرة ترتضعان من ثدي واحد ولو تمت واخذ بها لبطل أكثر مسائل النبوات.
والجواب أولا: ان علمه تعالى قد تعلق بوقوع أفعاله باختياره وارادته ومشيته، وافعال العباد أيضا باختيارهم وإرادتهم فلو كان تعلق العلم بها موجبا لخروج الفعل عن اختيار الفاعل ومشيته لزم الخلف وتخلف العلم عن المعلوم.
وثانيا: العلم بالشئ لا يمكن ان يكون علة لوجوب وجود المعلوم لأنه مع غض النظر عن تعلق العلم به ان كان وجب وجوده بواسطة وجود علته ولذا صار وجوده متعلقا للعلم به لا معنى لتأثير العلم في وجوب وجوده وان لم يجب وجوده بحيث كان تعلق العلم به علة وجوده أو من اجزاء علته يلزم الدور المحال لتوقف العلم به على وجوده في ظرفه، وتوقف وجوده على وجوبه فان الشئ ما لم يجب لم يوجد وتوقف وجوبه على تحقق علته التي هي عين العلم به.
وعلى هذا لا يلزم من علم الله تعالى بافعاله وافعال عباده الايجاب في الافعال الصادرة منه تعالى ولا الجبر في أفعال المكلفين، ولا تخلف المعلوم عن العلم به.
المبحث الرابع