القوم حرم الرسول كما تساق الأسارى، حتى إذا بلغوا بهم الكوفة، خرج الناس ينظرون إليهم وجعلوا يبكون ويتوجعون. قال ابن أعثم والخوارزمي: إنه بعد خطبة زينب عليها السلام " رأيت الناس يومئذ حيارى كأنهم سكارى يبكون ويحزنون ويتفجعون وقد وضعوا أيديهم على أفواههم، ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا بجنبي قد بكى حتى اخضلت لحيته بدموعه وهو يقول:
صدقت بأبي وأمي، كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النسوان " (1).
ولما بلغ أهل المدينة أن علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد رجعوا إلى المدينة لم يبق في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا وبرزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة، فلم ير يوم أمر على أهل المدينة منه.
وألقى الإمام علي بن الحسين كلمة جاء فيها:
".... أيها الناس أصبحنا مطرودين، مشردين، مذودين، شاسعين، كأنا أولاد ترك أو كابل من غير جرم أجرمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاق، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا، لما زادوا على ما فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ".
فقام إليه صوحان بن صعصعة فاعتذر إليه، فقبل عذره وشكر له وترحم على أبيه (2).
عقاب عاجل لأهل المدينة:
بعد مدة يسيرة من مذبحة كربلاء، جاء دور الذين لم يمنعوا الإمام الحسين ويحموه، والذين خذلوا الحسين وتركوه يخرج وحيدا بأهله، فأرسل إليهم يزيد بن معاوية جيشا بقيادة مسلم بن عقبة الذي اختاره يزيد بناء على نصيحة (رهين الرمس) أبيه معاوية ليأخذ البيعة من أهل المدينة. وبعد أربعة أيام على