صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٠٠
عرفنا - إلى هنا - بواعث كل من الفريقين فيما تطلعا به إلى الصلح. وعرفنا شروط كل فيما اعتبره ضمانا لبواعثه تلك.
وعرفنا - بعد ذلك - أنهما أرادا الجنوح إلى التصالح عمليا، فاجتمعا في الكوفة، وكان من المنتظر لهذا الاجتماع التاريخي أن يبعث بينهما من التقارب ما لم تبعثه الصكوك التحريرية ولا المقاولات الرسمية، التي تبودلت بينهما في الصلح، لولا أن معاوية لم يشأ ان يلتزم في هذا الاجتماع جانب المجاملة، رغم أنه كان في ظرفه الخاص أحوج الرجلين إلى هذا النمط من السلوك، وانه ليمر - إذ ذاك - بأدق امتحان في سياسته العامة وفي شخصيته كملك يريد ان يحكم شعبا ما أحبه منذ أبغضه - على حد تعبير الأحنف بن قيس -، فاجتمع بالحسن ولكن كما يجتمع " ابن أبي سفيان " بابن فاتح مكة، لا كما يجتمع متناجزان ألقيا السلاح وتبادلا وثائق الصلح، وكان من هذا الخلق الثابت لمعاوية - رغم ما يتكلفه من الحلم الكثير أحيانا - ما هو أداة الحسن في حملته المنظمة التي جردها عليه في (ميدانه الثاني) - كما أشير اليه في آخر فصل مضى -.
وإذ قد عرفنا ذلك كله من فصولنا القريبة السابقة، فلنعرف الآن موقف كل من شروطه وفاء ونقضا. وها نحن أولاء من هذه المرحلة بإزاء النقطة الحساسة التي طال حسابها في التاريخ.
وكان بودنا لو طوينا كشحا عن استنطاق هذا الموضوع، بما تثيره تفاصيله من ذكريات: بعضها ألم، وبعضها فضيحة سافرة، وقليل منها تاريخ تعافه الأمجاد. ولكننا - وقد أخذنا على أنفسنا في هذا الكتاب مهمة البحث التحليلي المكشوف، عن قضية الحسن ومعاوية - لا نجد مجالا
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 300 301 302 303 304 305 ... » »»