صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٩٤
هاتين لا أفي به! " ثم شهد عليه الحصين بن المنذر الرقاشي قائلا: " ما وفى معاوية للحسن بشيء مما أعطاه، قتل حجرا وأصحاب حجر، وبايع لابنه، وسم الحسن!! (1) ".
وهكذا قدر لهذا الرجل الواسع الممتلكات الضيق الملكات أن يعود بعد حنثه بأيمانه علنا، ونقضه لمواثيقه صراحة، أبعد الناس عن ثقة الناس، وأقلهم وزنا في المقاييس المعنوية التي يتواضع عليها الناس، وكان جزاء وفاقا، أن ينكره أكثر المغرورين بما كان أنكر هو عهوده ومواثيقه، وأن يضعوه من أنفسهم في المحل الذي وضع هو شروطه من نفسه..
وما يدرينا، فلعلنا الآن عند مفترق الطريق بين الماضي المغلوب والمستقبل الغالب، الذي سينكشف عنه الصراع التاريخي بين الحسن ومعاوية. ولعلنا الآن على أبواب الخطة الجبارة التي نزل الحسن بن علي (ع) من طريقها إلى الصلح، والتي فرضت ارادتها على معاوية أبعد ما يكون في المعروف من دهائه عن الفشل في الخطط التي تمسه في الصميم من مصالحه.
وكان الحسن - كما نعلم - أعرف الناس بمعاوية وبحظه من الصدق والوفاء، وهو إذ يأخذ عليه الصيغ المغلظة في الايمان والعهود، لا يقصد من ذلك إلى التأكد من صدقه أو وفائه، ولكن ليكشف للأغبياء قابليات الرجل في دينه وفي ذمامه وفي شرفه بالقول.
وانها للمبادأة الأولى التي ابتدأ الحسن عليه السلام زحفه منها إلى ميدانه الثاني. ومن هنا وضع أول حجر في البناء الجديد لقضية أهل البيت (ع). ثم مشى موكب الزمان، فإذا بالخطوات الموفقة تمشي وئيدا مع الزمان وإذا بطلائع النجاح كفيالق الجيش التي تتلاحق تباعا لتتعاون على الفتح. وان من الفتوح ما لا يعتمد في أداته على السلاح، ومنها ما يكون وسائله الأولية أشبه بالهزيمة، حتى ليخاله الناس تسليما محضا، ولكنه

(1) يراجع ابن أبي الحديد (ج 4 ص 16 و 6 و 7).
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 292 293 294 295 296 297 298 300 ... » »»