صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٦٥
سبيل صيانة مقامه ومقام أخيه، وتيسير شؤون أسرته وحفظهم، واعتصم فيها بالأمان لشيعته وشيعة أبيه وإنعاش أيتامهم، ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ووفائهم مع أبيه، وليحتفظ بهم أمناء على مبدئه وأنصارا مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه، يوم يعود الحق إلى نصابه. وسلم فيها " الأمر " إلى معاوية مشروطا بالعمل على سنة النبي (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين، فقلص بذلك من نفوذ عدوه في " الأمر " بما عرضه - من وراء هذا الشرط - للمخالفات التي لا عد لها ولا حد لنقمتها، وهو إذ ذاك اعرف الناس بمعاوية وبقابلياته الخلقية تجاه هذا الشرط.
والمعاهدة - بعد - هي الصك الذي وقعه الفريقان ليسجلا على أنفسهما الالتزام بما أعطى كل منها صاحبه وبما أخذ عليه. وهي هنا - على الأكثر - قضية " ماديات " محدودة لج في تحصيلها أحد الفريقين لقاء " معنويات " لا حد لها استأثر بها الفريق الثاني.
فلم يهدف معاوية في صلحه مع الحسن (ع)، الا للاستيلاء على الملك، ولم يرض الحسن بتسليم الملك لمعاوية الا ليصون مبادئه من الانقراض، وليحفظ شيعته من الإبادة، وليتأكد السبيل إلى استرجاع الحق المغصوب يوم موت معاوية.
ومن سداد الرأي أن لا نفهم مغزى هذه المعاهدة الا على هذا الوجه.
ولكي نتبين صحة هذا التفسير لأهداف الفريقين يوم صلحهما، علينا ان نتحلل هنا في سبيل الكشف عن حقيقة تاريخية لها أهميتها، من التعبد بأقوال المؤرخين وبتصرفاتهم، وأن نرجع توا إلى التصريحات الشخصية التي فاه بها كل من المتعاقدين أنفسهما، فيما يمت إلى عناصر اتفاقيتهما هذه، أو فيما يلقي الضوء على تفسير ما يفتقر إلى التفسير منها. ولعلنا سنصل من وراء هذا الأسلوب في طريقة الاستنتاج، إلى حل شئ كثير من الرموز التي استعصى حلها على كثير من الأصدقاء في التاريخ.
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»