صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٤٥
الحسن عليه السلام لو سخا بنفسه وبشيعته، وفرضنا أنه كان قد استطاع حضور ميدانه في " مسكن "، لحكم على نفسه بالموت حتى لا يبقى اسمه الا في كتب الأنساب، وعلى مبدئه المقدس بالاعدام حتى لا يبقى منه أي أثر بين سمع الأرض وبصرها، ولرأيت تاريخه المجيد وتاريخ بيته العتيد، أسطورة مشوهة من أبشع الأساطير، يمليها معاوية كما يشتهي، ويشرحها بعده مروان وآل مروان كما يشاؤون.
وكان معنى ذلك نهاية تاريخ الروحية الاسلامية، وبداية تاريخ أموي له طابعه المعروف وخصائصه الغنية عن البيان.
وفي الحديث الشريف: " لو لم يبق من بني أمية الا عجوز درداء لبغت دين الله عوجا (1) ".
ترى، فهل كان في امكان الحسن غير ما كان؟.
وان أقل استقراء وتدبر، يثبتان أنها كانت أفضل طريقة للتخفيف من عرامة الاجراءات المتوقعة، بل كانت الطريقة الوحيدة التي لا ثانية لها.
وحفظ الحسن بها - حين استيقن هذه النتائج كحقائق واقعة - خطوط اتصاله بالأجيال، بل خطوط اتصال أبيه وجده عليهما الصلاة والسلام، من طريق الابقاء على شيعته، وأنقذ بذلك مبدأه من الإبادة المحققة، وصان تاريخه من التشويه والتزوير والمسخ والازدراء.
وانتزع من الخذلان الذي حاق به في دنياه، الانتصار اللامع لروحيته وعقيدته وأخراه.
وهكذا ترك الدنيا ليحفظ الدين.
وذلك هو طابع الإمامة في هذه الزمرة المباركة من آل الله.

(1) الخرائج والجرائح لسعيد بن هبة الله الراوندي المتوفى سنة 573 (ص 228).
القسم الثالث: الصلح، دوافع الفريقين للصلح
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 248 249 250 251 252 ... » »»