صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٤٣
وكان معنى التفريط به، انقطاع الصلة بين علي وأولاده الأئمة الميامين، وبين الأجيال الآتية إلى يوم الدين.
ثم لتعودن قضية الحسن - بعد ذلك - أشبه بقضايا الاشراف العلويين، الذين نهضوا في ظروف مختلفة من أيام الحكم الاسلامي، يهتفون بالاصلاح، ويحتجون بالرحم الماسة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم غلبوا على امرهم، فلم يبق من دعوتهم الا أسماؤهم في أطواء التاريخ أو في كتب الأنساب.
وما يدرينا، فيما لو صفي الحساب مع آل محمد تصفيته الأموية الأخيرة، فقتل الحسن، وقتل معه جميع أهل بيته، وقتل معهم الصفوة المختارة من عباد الله المخلصين، وانقلب الاسلام أمويا، ماذا سيكون من ذكريات محمد (صلى الله عليه وآله) في التاريخ؟. وماذا سيكون من شأن المثاليات التي نفخ الاسلام روحها في الصفوة من رجالاته؟. وهل رجالاته المصطفون الا هذه الأشلاء التي طحنتها سيوف الشام في هذه الحروب؟.
وعلمنا - مما تقدم - مبلغ ما تهتز به أوتار معاوية بن أبي سفيان من العنعنات القبلية والأنانيات والترات. فهل لنا - وقد أيسنا من ذكر علي وأولاده في أعقاب هذه التصفية الا بالسوء، أن نطمئن إلى ذكر محمد صلى الله عليه وآله وذكر تعاليمه ومبادئه الصحيحة بخير؟.
والعدو المنتصر هو معاوية بن أبي سفيان، الذي ضاق بذكر الناس لأخي هاشم (النبي ص) في كل يوم خمس مرات كما تقتضيه السنة الاسلامية في " الاذان "، حتى قال للمغيرة بن شعبة: " فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك، الا دفنا دفنا (1)!!.. ".

(1) مروج الذهب (ج 2 ص 343)، وابن أبي الحديد (ج 2 ص 357) " قال مطرف بن المغيرة بن شعبة: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية ويذكر عقله، ويعجب مما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتما فانتظرته ساعة، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: مالي أراك مغتما منذ الليلة. قال: يا بني اني جئت من أخبث الناس. قلت له: وما ذاك. قال: قلت له وقد خلوت به: انك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه، فقال لي: هيهات هيهات، ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما عدا ان هلك، فهلك ذكره، الا أن يقول قائل أبو بكر. ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين، فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره، الا أن يقول قائل عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعمل به، فوالله ما عدا أن هلك ذكره وذكر ما فعل به. وان أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات أشهد ان محمدا رسول الله. فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك، الا دفنا دفنا ".
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 248 249 250 ... » »»