حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٦
حاصرت بغداد، وأيقن الأمين بالهزيمة فكتب إلى طاهر يطلب منه الأمان لنفسه وعائلته، وأنصاره، وانه يستقيل من الخلافة لأخيه، فقال طاهر:
" الآن ضيق خناقه، وهيض جناحه، وانهزم فساقه، لا والذي نفسي بيده حتى يضع يده في يدي، وينزل على حكمي ".
ولم يجبه إلى شئ مما أراد.
ودام الحصار على بغداد مدة طويلة حتى تخربت فيها معالم الحضارة، وعم الفقر والبؤس جميع سكانها وكثر العابثون والشذاذ فقاموا باغتيال الأبرياء ونهب الأموال، ومطاردة النساء، وانبرى جماعة من خيار الناس بقيادة رجل يقال له سهل بن سلامة فمنعوا العابثين من ايذاء الناس، وتصدوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد.
وعلى أي حال فقد منيت بغداد بأفدح الخسائر، وفقدت زينتها وشبابها، وشاع الثكل والحزن والحداد في جميع أنحائها، وقد رثاها جماعة من الشعراء يقول الأعمى في قصيدة له:
وابكي لاحراق وهدم منازل * وقتل وانهاب اللهى والذخائر وابراز ربات الخدور حواسرا * خرجن بلا خمر ولا بمآزر تراها حيارى ليس تعرف مذهبا * نوافر كأمثال الظباء النوافر كأن لم تكن بغداد أحسن منظرا * وملهى رأته عين لاه وناظر بلى هكذا كانت فاذهب حسنها * وبدد منها الشمل حكم المقادر وحل بهم ما حل بالناس قبلهم * فأضحوا أحاديثا لباد وحاضر أبغداد يا دار الملوك ومجتنى * صفوف المنى يا مستقر المنابر ويا جنة الدنيا ويا مطلب الغنى * ومستنبط الأموال عند المتاجر أبيني لنا أين الذين عهدتهم * يحلون في روض من العيش ناضر وأين الملوك في المواكب تغتدي * تشبه حسنا بالنجوم الزواهر والقصيدة كلها توجع والم على ما حل ببغداد من الدمار الشامل في الأموال والأنفس، ويصف شاعر آخر حالة بغداد، وما حل بها من الخراب يقول:

(1) مروج الذهب 3 / 313.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست