حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٨
وكانت الانباء تتوافد عليه بهزيمة جيشه، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك كله، وكان مشغولا مع كوثر في صيد الأسماك التي جعلها في حوض كبير له، وكان يقول:
" يصطاد كوثر ثلاث سمكات وما صدت الا سمكتين ".
وكان بهذه الحالة المزرية مشغولا بلهوه حتى هجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح، وتلا قوله تعالى:
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " (1).
وهجاه بعض الشعراء بقوله:
إذا غدا ملك باللهو مشتغلا * فاحكم على ملكه بالويل والخرب أما ترى الشمس في الميزان هابطة * لما غدا وهو برج اللهو والطرب (2) وبعث طاهر برأس الأمين إلى المأمون في (خراسان) فلما رآه حزن وتأسف فقال له الفضل:
" الحمد الله على هذه النعمة الجليلة فان محمدا كان يتمنى أن يراك بحيث رأيته ".
وأمر المأمون بنصب رأس أخيه في صحن الدار وقد وضع على خشبة، وأعطى الجند، وأمر كل من قبض رزقة أن يلعنه فكان الجندي يقبض رزقه ويلعن الرأس وقبض بعض العجم عطاءه فقيل له: العن هذا الرأس فقال: لعن الله هذا ولعن والديه وأدخلهم في كذا وكذا من أمهاتهم، فقيل له: لعنت أمير المؤمنين، وكان المأمون يسمعه فتغافل عنه، وأمر بحط رأس أخيه ورده إلى العراق فدفن مع جثته (3).
وانتهت بذلك حياة الأمين، وقد حكت عن قساوة المأمون وعدم رأفته على أخيه، فقد سلب الرحمة من نفسه، وما ذاك إلا لحرصه على الملك.
ولم تظهر لنا أية بوادر للإمام الرضا (عليه السلام) في عهد الأمين، لعل السبب في ذلك هو انشغاله في الحرب مع أخيه فقد أشغلته هذه الحرب عن التعرض للإمام (عليه السلام) بأي مكروه.

(1) عيون التواريخ 3 / ورقة 211.
(2) حياة الحيوان للدميري 1 / 78.
(3) مروج الذهب (ص 225 - 226).
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست