حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٢
ويقول عنه الفخري: " انه لم يجد للأمين شيئا من سيرته يستحسنه فيذكره " (1).
احتجابه عن الرعية:
ومن نزعاته انه كان ينفر من الناس تكبرا عليهم، فقد احتجب عن رعيته وأهالي مملكته، وقد خف إليه إسماعيل بن صبيح، وكان أتيرا عنده، فقال له:
" يا أمير المؤمنين ان قوادك وجندك وعامة رعيتك قد خبثت نفوسهم وساءت ظنونهم، وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فان في ذلك تسكينا لهم ومراجعة لآمالهم... ".
واستجاب الأمين لهذه النصيحة، فجلس في بلاطه، ودخل عليه الشعراء فمدحوه في قصائدهم، وهو لا يفهم ما يقولون، ثم انصرف عن الناس فركب الحراقة إلى (الشماسية)، واصطفت له الخيل، وعليها الرجال، وقد اصطفوا على ضفاف دجلة وحملت معه مطابخ القصر، وما فيه من الخزائن.
أما الحراقة التي ركبها فكانت سفينة صنعت شبيهة بالأسد، وما رأى الناس منظرا أبهى ولا أجمل من ذلك المنظر، وكان معه في السفينة أبو نواس ينادمه وقال يصف تلك السفينة:
سخر الله للأمين مطايا * لم تسخر لصاحب المحراب (2) فإذا ما ركبه سرن بحرا * سار في الماء راكبا ليث غاب أسدا باسطا ذراعيه يعدو * أهرت الشدق كالح الأنياب (3) لا يعانيه باللجام ولا السوط * ولا غمز رجله في الركاب عجب الناس إذ رأوك على صورة * ليث يمر مر السحاب سجوا إذ رأوك سرت عليه * كيف لو أبصروك فوق العقاب (4) ذات زور ومنسر وجناحين * تشف العباب بعد العباب تسبق الطير في السماء إذ ما * استعجلوها بجيئة وذهاب

(1) الآداب السلطانية (ص 212).
(2) صاحب المحراب: هو سليمان بن داود الذي بنى بيت المقدس.
(3) اهرت الشدق: واسعه، كالخ الأنياب: أي كاشرها.
(4) العقاب: إحدى السفن التي كانت معدة للأمين.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست