حياة الإمام الرضا (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ٧٥
" انما قلت: لك كم ترجو أن يجيئك منه! " " أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار ".
فأعطاه سليل النبوة ثلاث مائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك على حاله، فانقلب العمري رأسا على عقب وخجل على ما فرط في حق الامام، وانصرف الامام عنه وقصد الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه فلما رأى الامام قام إليه، وهو يهتف بين الناس:
" الله اعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء.. " وبادر أصحابه منكرين عليه هذا التغيير فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الامام ومآثره، والتفت الامام إلى أصحابه قائلا: " أيما كان خيرا؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار " (1) لقد عامل الامام مبغضيه ومناوئيه بالاحسان واللطف فاقتلع من نفوسهم النزعات الشريرة، وغسل أدمغتهم التي كانت مترعة بالجهل والنقص، وقد وضع امامه قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم).. 2 - ومن آيات حلمه أنه اجتاز على جماعة من أعدائه كان فيهم ابن هياج فأمر بعض أتباعه ان يتعلق بلجام بغلة الامام ويدعي أنها له، ففعل ذلك، وعرف الامام غايته فنزل عن البغلة وأعطاها له (2) وقد اعطى الامام بذلك مثلا أعلى للحلم وسعة النفس، وكان (عليه السلام) يوصي أبناءه بالتحلي بهذه الصفة الكريمة فقد قال لهم:
" يا بنى أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت، فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروها، ثم تحول إلى اليسرى فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره " (3) وبهذه الوصية نقف على مدى حلمه وسعة أخلاقه، وعدم مقابلة المسئ بالمثل وهذه الظاهرة من أهم الوسائل الداعية إلى التآلف وجمع الكلمة بين الناس

(1) تأريخ بغداد 13 / 28 - 29.
(2) البحار 11 / 277.
(3) الفصول المهمة (ص 22).
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست