مع المصطفى - الدكتورة بنت الشاطئ - الصفحة ٣٨
وأقبلت قريش على كعبتها المقدسة تطيف بها ملبية عابدة، وتجاوبت آفاق البلد الأمين بدعوات المصلين وتلبيات المحتفلين وأناشيد الشعراء.
وآمنة في بيت عبد الله، تصغي إلى ما يبلغ سمعها من دعاء وهتاف، فتحس سكينة وغبطة: أن استجاب الله لها فلن تضع وليدها بعيدا عن الحرم الآمن.
بعد فترة قصيرة من هلاك أبرهة عام الفيل، ذاعت في أم القرى بشرى المولد.
حدد قوم هذه الفترة بخمسين يوما (وهو الأكثر والأشهر) على ما نقل (السهيلي) في (الروض الأنف) (1).
واكتفى آخرون بأن المولد كان في عام الفيل.
جاءها المخاض في وقت السحر من تلك الليلة المقمرة، فأرهف شعورها بالترقب والتطلع، مع إحساس برهبة من تجربة الوضع التي طالما سمعت الأمهات يتحدثن عن آلامها ومخاطرها. لكنها ما لبثت أن صرفت بالها كله إلى ما يغمر الدنيا حولها من نور بازغ، وصرفت سمعها كله إلى هواتف البشرى، فتجلدت للحظة الحاسمة.
وما كاد نور الفجر يهل على الأفق، حتى كانت قد وضعت وليدها كما تضع كل والدة من البشر.

(1) وانظر الزرقاني في المولد: 1 / 130، والنويري في نهاية الإرب 6 / 68 دار الكتب المصرية.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست