ولم يقبل فيه هذه المرة أي فداء.
ولبست مكة ثوب الحداد على الفتى الهاشمي، وضحلت من النواح عليه حلوق بحت من الهتاف له حين احتفلت أم القرى بفدائه وعرسه، قبل شهرين أو ثلاثة.
وترملت زهرة قريش: آمنة بنت وهب، ولما يزل في كفيها خضاب العرس.
وانفض المأتم، لكن القوم لم يفرغوا من صاحبه الثاوي في لحده بعيدا في ثرى يثرب.
من كان يظن، حين نحرت عنه الإبل المائة، أن المنايا واقفة بالمرصاد لهذا المفتدى؟
وخيف على آمنة من وطأة الحزن، وقد رفضت أن تقبل في فقيدها العزاء. ولبثت مكة شهرا وبعض شهر، ترقب في قلق إلى أين ينتهي الحزن الساحق بالأرملة العروس..
حتى كانت ليلة من ليالي شوال، أحاط فيها العواد من آل هاشم وبني زهرة بفراش آمنة، وهي لا تفتأ تسأل كل عائد منهم وعائدة:
- فيم كان فداؤه والموت منه وشيك؟ وفيم كان العرس المشهود ويد القدر تخط له لحده بيثرب، والمنايا تحث خطاها نحوه؟
وأغفت مجهدة من إعياء، وعيون الساهرين عليها.
ولم تطل غفوتها، أيقظتها منها انتفاضة مرهفة، وقد أحست