على مسرح الدنيا في الثلث الأخير من القرن السادس لميلاد المسيح عليه السلام.
وراح يرصد نذر الانهيار في عالم يريد أن ينقص.
ويتابع الجولات الأخيرة للصراع بين قطبي ذلك العالم القديم، حيث كانت دولتا الفرس والرومان تخوضان حربا طاحنة، على مراكز السلطة والنفوذ.
وإحدى الدولتين قد أعشت نار المجوسية بصرها وبصيرتها، فما عاد يعنيها سوى أن تجعل من ساحة الشرق كله معبدا لتلك النار، تصلاها شعوب المنطقة بالعسف والاكراه.
والأخرى قد أثخنتها جراح الحرب وهدتها أمراض الشيخوخة، واستنزفت بقايا قوتها فتنة الصراع الطائفي بين القائلين بناسوتية السيد المسيح والقائلين بلاهوتيته، فتهاوى النسر الروماني على الأرض يجثم على أنفاس خلق الله، ويتسلط على مستعمراته في الشرق الأوسط - والشمال الإفريقي بالارهاب والطغيان، في محاولة يائسة تستبقي له من الهيبة ما يستر وهنه، ويعوضه عن قواه المستنزفة.
حتى بلغ ذلك اليتيم الهاشمي المكي الأربعين من عمره، وتلقى رسالة الوحي في شهر رمضان بعد ستة قرون ونحو عشر سنين من ميلاد المسيح عليه السلام، فالتفت التاريخ إلى مكة، وتوقف برهة يجمع كل ما وعت ذاكرتها عن ذلك المصطفى وآبائه وعشيرته، وعاد يصحبه من مهد مولده في دار أبيه عبد الله بجوار البيت العتيق.