وحيث كان الانسان مدفوعا بغرائزه وأهدافه وأهوائه إلى كسب المعاش، ونيل المتع واللذائذ المادية، والتهالك عليها، مما يصرفه ويلهيه عن الأعمال الصالحة، والتأهب للحياة الآخرة، وتوفير موجبات السعادة والهناء فيها. لذلك جاءت الآيات والأخبار مشوقة إلى الاهتمام بالآخرة، والتزود لها من العمل الصالح.
قال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (الزلزلة:
7 - 8).
وقال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى، وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (النحل: 97).
وقال تعالي: ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة، يرزقون فيها بغير حساب (غافر: 40).
وقال تعالى: من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، ثم إلى ربكم ترجعون (الجاثية: 15).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر، إنك في ممر الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، ومن يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا، ومن يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع (1).
وقال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقلت:
يا نبي الله عظنا موعظة ننتفع بها، فإنا قوم نعمر في البرية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا قيس إن مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شئ حسيبا، وعلى كل شئ رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، ولكل أجل كتابا. وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريما أكرمك، وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش الا منه، وهو فعلك (1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن العبد إذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، مثل له، ماله، وولده، وعمله، فيلتفت إلى ماله، فيقول:
والله إني كنت عليك حريصا شحيحا فمالي عندك؟ فيقول: خذ مني كفنك.
قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: والله إني كنت لكم محبا، وإني كنت عليكم محاميا، فمالي عندكم؟ فيقولون: نؤديك إلى حفرتك فنواريك فيها قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: والله إني كنت فيك لزاهدا، وإنك كنت علي لثقيلا، فمالي عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك، ويوم