وأما ما يلزم معاوية وأعوانه من الفسق ببغيهم ومحاربتهم لله ورسوله واقترافهم العظائم وجواز لعنهم ووجوب بغضهم فلا نسلم ذلك للزبير وطلحة وعائشة رضوان الله عليهم فإن الشوط بين الفئتين بطين والمفرق بين الفريقين عظيم بل نقول إن الثلاثة إنما خرجوا متأولين مجتهدين وهم من أهل الاجتهاد وكانوا مخطئين في اجتهادهم ولكنهم رجعوا عن ذلك حين ظهر لهم الحق وندموا على ما فعلوا ولم يصروا على ذلك كما أصر معاوية إلى آخر حياته كما يشهد به التواتر.
وقد نقل المسعودي في مروج الذهب وغيره من أهل المغازي إن عليا كرم الله وجهه خرج بنفسه حاسرا يوم الجمل على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله لا سلاح عليه فنادى يا زبير اخرج إلي فخرج شاكيا في السلاح فقيل لعائشة فقالت واحرباه يا أسماء فقيل لها إن عليا حاسر فاطمأنت واعتنق كل منهما صاحبه فقال له ويحك يا زبير ما الذي أخرجك قال دم عثمان قال: قتل الله أولانا بدم عثمان أما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله في بني بياضه وهو راكب حماره فضحك إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وضحكت أنت معه فقلت أنت ما يدع ابن أبي طالب زهوة فقال لك ليس به زهوا تحبه يا زبير؟ فقلت:
والله إني لأحبه فقال لك إنك والله ستقاتله وأنت له ظالم فقال الزبير أستغفر الله لو ذكرتها ما خرجت. فقال يا زبير إرجع فقال وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل فقال يا زبير ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار فرجع الزبير وهو يقول:
اخترت عارا على نار مؤججة * ما أن يقوم لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عدل أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني ثم مضى منصرفا حتى أتى وادي السباع فقتله عمرو ابن جرموز في الصلاة