وظنت أنه لأمر حدث فينا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم قلت وما ذاك قال: قلت له وقد خلوت به أنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا فقد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر. ثم ملك أخو عدي فأجتهد وشمر عشر سنين فما عدا إن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قاتل عمر وأن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عمل يبقى وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا والله إلا دفنا دفنا (انتهى).
قلت: الزبير بن بكار هذا هو قاضي مكة وهو مشهور في المحدثين ومن رواة الصحيح وهو غير متهم على معاوية لعدالته وفضله مع أن في الزبير بين كما علمت بعض انحراف عن علي كرم الله وجهه لما عرف من الأسباب ألا ترى أن عبد الله ابن الزبير على نسكه وعبادته كان منحرفا عن علي وأهل بيته فقد روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير أنه مكث يلام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيهما على النبي صلى الله عليه وآله وقال لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها (انتهى).
ومما يدل على استخفاف معاوية بمقام النبوة ما نقله أبو جعفر الطبري بسنده قال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني سليمان قال: قرأت على عبد الله عن فليح قال أخبرت أن عمرو بن العاص وفد إلى معاوية ومعه أهل مصر فقال لهم عمرو وانظروا إذا دخلتم علي ابن هند فلا تسلموا عليه بالخلافة فإنه أعظم لكم في عينه وصغروه ما استطعتم فلما قدموا