النصائح الكافية - محمد بن عقيل - الصفحة ١٢٨
أفخاذه وكاد أن يتلفت فقيل له إنك تموت من ذلك فقال: هيهات لن أموت حتى أنفي.
ومن جرائره لبسه الحرير واستعماله آنية الذهب والفضة وقوله بعد سماع النهي في ذلك ما أرى بهذا بأسا وضربه من لا حد عليه من المسلمين وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله وتطريقه لبني أمية الوثوب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى خلافته فاجرا بعد فاجر حتى أفضت إلى يزيد ابن عبد الملك صاحب سلامة وحبابه والى الوليد بن يزيد الزنديق رامي المصحف بالسهام والقائل في شعره.
فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي إلى غير ذلك من أقواله المكفرة والعياذ بالله تعالى (وبالجملة) فبدع معاوية ومحدثاته ومخالفاته كثيرة لا سبيل إلى استقصائها وقد ذكر أهل السير والتأريخ منها شيئا كثيرا قال: عليه وعلى آله الصلاة والسلام شر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (1).

(1) (ومن مخزياته الفاضحة) تفريقه بالحيلة بين عبد الله بن سلام القرشي وزوجته أرينب بنت إسحاق حين تعشقها خميره يزيد ليزوجه بها معاونة له على الإثم والعدوان وقد روى القصة كلها ابن قتيبة رحمه الله تعالى في كتاب الإمامة ورواها عبد الملك بن بدرون الحضرمي الإشبيلي في كتابه أطواق الحمامة بشرح البسامة وغيرهما.
وخلاصة رواية ابن قتيبة رحمه الله هي هذه قال لما بلغ معاوية عشق يزيد وهيامه بأرينب بنت إسحاق من وصيف له يقال له رفيق فقال له معاوية اكتم يا بني أمرك واستعن بالصبر فإن البوح غير نافع ولا بد مما هو كائن وكانت أرينب مثلا في أهل زمانها جمالا وكمالا وكثرة مال وكانت تحت ابن عمها عبد الله ابن سلام القريشي وكان له منزلة عند معاوية وقد استعمله بالعراق وقد امتلأ معاوية هما وغما بأمر يزيد فأخذ في الحيلة والنظر فيما يجمع بينهما حتى يرضى يزيد فاستدعى زوجها من العراق عجلا يبشره بأمر له فيه كامل الخط فلما أنزله منزلا حسنا ثم دعا معاوية أبا هريرة وأبا الدرداء رضي الله عنهما وكانا بالشام فقال لهما إني قد؟؟ لي ابنة أردت نكاحها ليهتدي بي من بعدي فإني أخاف أن يعضل الأمراء بعدي نساءهم وقد رضيت لها عبد الله بن سلام لدينه وفضله وأدبه فاذكرا ذلك عني وإني كنت جعلت لها الشورى في نفسها غير أني أرجو أن لا تخرج من رأي فخرجا إلى عبد الله بن سلام وأعلماه بما قاله معاوية فسر به وفرح وحمد الله ودعا لمعاوية ثم بعثهما إلى معاوية خاطبين عليه فلما قدما قال لهما معاوية إنكما تعلمان رضاي بذلك فأدخلا عليها وأعرضا عليها ما رضيت لها فدخلا وأعلماها بكل ما جرى وكان معاوية قد لقنها ما يريد أن تجيب به فقالت عبد الله بن سلام كفوء كريم وقريب حميم غير أنه تحته أرينب بنت إسحاق وأنا خائفة أن تعرض لي غيرة النساء فأتولى منه ما يسخط الله ولست بفاعله حتى يفارقها فأخبرا عبد الله بن سلام بالأمر ففارق زوجته وأشهدهما على طلاقها فأظهر معاوية كراهيته طلاقها وقال لا استحسنه ولو صبروا لم يعجل كان أمره إلى مصيره فانصرفا في عافية ثم عودا لتأخذا رضاها ثم أخبر يزيد بما كان من طلاق أرينب ثم عادا إلى معاوية فأمرهما بالدخول إليها ليسألاها فدخلا عليها وأعلماها بطلاق أرينب طلبا لمسرتها فقالت إنه في قريش لرفيع وإن الزواج هزله جد والأناة في الأمور أوفق وإني سائلة عنه حتى اعرف دخيلة خبره ومستخيرة فيه ومعلمتكما بخيرة الله ثم انصرفا واعلما عبد الله بن سلام فقال.
فإن يك صدر هذا اليوم ولي * فإن غدا لناظره قريب ولم يشك الناس في غدر معاوية إياه وتحدثوا به ثم استحثهما عبد الله بن سلام وسألهما الفراغ من أمره فأتياها فقالت لهما إني سألت عن أمره فوجدته غير ملائم لي ولا موافق لما أريد لنفسي فعلم عبد الله أنه قد خدع فقال متعزيا ليس لأمر الله راد ولام الناس معاوية على خديعته وجرأته على الله ولما انقضت اقرؤها وجه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين بن علي عليهما السلام فقدم أبو الدرداء زيارة الحسين والتسليم عليه على مهمته فرحب به الحسين وأجله وأخبر أبو الدرداء بمهمته فقال الحسين لقد ذكرت نكاحها فلم يمنعني إلا تخير مثلك فأخطبها علي وعليه وأعطها من المهر ما أعطاها معاوية عن ابنه فلما دخل عليها أبو الدرداء قال: لها قد خطبك أمير هذه الأمة وابن الملك وولي عهده يزيد بن معاوية، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله الحسين بن علي فاختاري أيهما شئت فسكتت طويلا ثم فوضت أمرها إليه فقال أي بنية ابن بنت. رسول الله صلى الله عليه وآله أحب إلي وارضاهما عندي فتزوجها الحسين وساق لها مهرا عظيما وبلغ معاوية ما فعل أبو الدرداء فتعاظمه جدا وقال من يرسل ذابله وعمى يركب خلاف ما يهوى ورأيي كان من رأيه أسوأ ولقد كنا بالملامة أولى وكان عبد الله بن سلام قد استودعها قبل فراقه بدرات مملوءة درا هو أعظم ماله وأحبه إليه وكان معاوية قد جفاه وقطع جميع روافده لتهمته إياه بالخديعة ولم يزل يقصيه حتى عيل صبره وقل ما في يده فخرج راجعا إلى العراق يذكر ماله الذي كان استودعه أرينب ولا يدري كيف يصنع ويتوقع جحودها لطلاقه إياها من غير شئ أنكره ونقمه عليها ولما قدم لقي الحسين عليه السلام وسلم عليه وقال: قد علمت جعلت فداك ما كان من قضاء الله في طلاق أرينب وكنت استودعتها مالا عظيما درا فذكرها أمري واحضضها على الرد فإن الله يحسن عليك فلما انصرف الحسين إليها قال: لها قد قدم عبد الله بن سلام وهو يثني عليك ويذكر أنه استودعك مالا فأدي إليه ماله فقالت صدق وإنه لمطبوع عليه بطابعه ثم لقي ابن سلام فقال ما أنكرت وزعمت أنها لكما دفعتها لها بطابعك ثم دخل عليها وقال: الحسين هذا عبد الله يطلب وديعته فأديها إليه فأخرجت البدرات فوضعتها بين يديه فشكرها وحثالها من ذلك الدر حثوات واستعبرا جميعا فقال الحسين اشهد الله أنها طالق ثلاثا اللهم إنك تعلم أني لم أتزوجها المال ولا لجمال ولكن أردت حبسها لبعلها وأرجو ثوابك على ذلك فتزوجها عبد الله بن سلام وحرمها الله على يزيد (انتهى باختصار).
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»