سابعا: امتناع فضة عن الإتيان بالماء للإمام علي (عليه السلام) دليل على كمال طهارتها وتقواها، حيث أن حمل المطهرة جائز للحائض - وقد يحمل على الكراهة - بل أن حسن أدبها واحتياطها في دينها المتين صار سببا لظهور كرامة باهرة من كرامات أمير المؤمنين، ومن المعلوم أن أمير المؤمنين لم يكلف بالعمل وفق علمه الباطني، ولو فعل لما تحققت هذه الكرامة، ولما نال هذا الشرف ظاهرا.
فنداه لفضة الخادمة لتأتي بالماء كان بحسب توجهه إلى عالم الكثرة ليحفظ انتظام العالم (أنا بشر مثلكم)، فلما صرف النظر عن عالم الصورة والكثرة وتوجه إلى عالم الباطن والأحكام والوحدة، وجد جبرئيل عنده قد جاء بالماء واستفاض حسب استحقاقه الشخصي والذاتي عن الفياض على الإطلاق. فمجئ جبرئيل إنما هو ترقي النفس القدسية العلوية، وتبديل العين البصرية برؤية البصيرة، والمحو في تجلي الحق والجلال الكبريائي، والاستغراق في الألطاف اللا متناهية الإلهية.
فأمير المؤمنين لم يكن مكلفا بالعمل بالعلم الباطن من كونه يعلم أن فضة لم تكن على حال الطهارة، وأنها ستمتنع إذا ناداها أمير المؤمنين لكراهة في ذلك.
وكذا الحال في غيره ممن لم يكلفوا بالعمل بالعلم الباطن، بل أمروا بالعمل بظاهر التكليف، وكذا الحال في قصة الشيطان وأمره بالسجود لآدم، مع أن الله يعلم أن الشيطان لا يطيع، ولكنه أمره; ونظيره قول أمير المؤمنين للسائل الذي سأله عن حربه مع معاوية مع تلك القدرات المتوفرة لديه، فقال: نحن (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون).
أقول: كان موسى مأمورا بموافقة الخضر، فلماذا فتح عليه باب الاعتراض حينما رأى منه عملا خلاف الظاهر؟
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم بالفتن والمحن التي ستحدث بعده، ولكنه لم