وقد ذكر القرآن الكريم في مواضع عديدة معاناة الأنبياء والصالحين مع اممهم لأنهم «لا يفقهون».. «لا يعقلون» أو أنهم لا يريدون ذلك.
وكم وكم حذرنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) من تحكيم العقل المحدود في قضايا الدين، وكم عانى الأنبياء والأوصياء من الناس.. من ذوي العقول الغاطسة في الطين، لأنهم كلما أرادوا أن ينطلقوا بعقولهم ليخلصوها من الأوحال والقيود لتتجاوز التراب وتصل إلى رب الأرباب رفض الناس إلا الخلود إلى الثقل والاستسلام إلى اللذات.
ولا زالت هذه المعاناة تتعب الإنسان في جميع شؤونه، وتحرمه من استشراف عالم الأنوار، واستطلاع الآفاق، ولو أنه صعد بعقله - بدلا من تحجيم المطلق - لما استكثر ولا استكبر ولا استنكر الكثير مما روي في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومناقبهم، بل لوجدها قليلة ضئيلة في حقهم، ولأدرك جيدا كيف كان أهل البيت (عليهم السلام) يخفون الكثير من «حقيقتهم» عن عقول العباد المحجوبة المقيدة.
وأما ما نسمعه أحيانا من تشكيك قد يلقى قبولا متهافتا، أو حتى ترويجا خاويا من هنا أو هناك لربما عاد إلى هذه المأساة التي يعاني منها الإنسان منذ انطلاقة تاريخه حيث إنه يريد أن ينزل بكل شئ إلى مستواه، ويأبى أن يصعد بعقله إلى أعلى عليين، ويريد لكل شئ أن يدخل دائرة «التحجيم» التي صنعها لنفسه، ولربما احتج لذلك بضعف السند، وعدم سلامة الطريق، وارتباك النص، وما شابه ذلك، وهو يتخبط ويخلط بين ما قد يكون محققا عنده - كما يزعم - للوصول إلى نتائج في حقل خاص من حقول العلم فيسريه إلى حقل آخر.
وهكذا هو الإنسان كان وسيبقى «ظلوما جهولا».