لا ينجو فيها إلا من طاب مولده، وأخذ الله بيده..
فالمعركة ليست جديدة، وإن كانت بعد النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر تعقيدا وأعمق جذورا.
ولعل من أهم أسباب هذه المعركة، بل لربما كان هو السبب الرئيسي أن الإنسان يغفل أو يطبع على قلبه فيعمى عن إدراك مسيرته، فيظنها تبتدأ بالولادة وتنتهي حينما يرتطم رأسه بأحجار اللحد، وهو لا يدري أنه مخلوق «كرمه الله» فنفخ فيه من روحه، وعاش ما شاء الله في عالم الأنوار قبل أن يقحم في هذه الدار، حيث كان في عامل «ألست» ثم جاء إلى حيث ادخر فيه الله نوره، وهو راجع إلى ربه عبر هذه الدنيا، وليست هي إلا «مكدحا» يوصله إلى ذلك الكمال المطلق (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)..
غير أنه إذا غفل عن هذا خلد إلى التراب، وغرق في طينه النتن المسنون، وحصر عقله بين جدران هذه النشأة العنصرية الضيقة، فلا يرقى إلى ما قبلها، ولا ينال فهم ما بعدها، ومن ثم يقيس كل شئ إلى عقله المحصور المحدود «والدين لا يقاس بالعقول» و «لو قيست السنة محقت»، وكيف يمكن أن يحيط هذا العقل الذي أنهكته قيود الزمان والمكان والمادة والتراب والشهوات والنزوات و... بالدين والشريعة التي جعلها من «أحاط بكل شئ» لكل شئ؟!
ولنا أن نتساءل: لماذا نقيس الدين ومقدساته وشرائعه بالعقل المحدود - فنحددها بالضرورة - ولا ننطلق بالعقل ليجتاز حدود الزمان والمكان، ويرتفع إلى آفاق الدين، ونحثه على التدبر وفق المنهج المشروع ليمشي قدما في طريق الكمال فيدرك تلك الحقائق التي يعجز عن إدراكها وهو في حضيض «الطين».