نعم; لقد ساوى بذل خديجة (عليها السلام) سيف علي (عليه السلام) في الإسلام، وتساويا من قبل في السبق إلى الإسلام، وفي هذا من الشرف ما يكفي خديجة (عليها السلام)، علاوة على أنها قامت عن بنت كفاطمة (عليها السلام)، وبها تشرفت على نساء العالمين.
وقبل نزول الأجل وحلول زمن الفراق والتوجه إلى العالم الأعلى ظهرت لخديجة الطاهرة من مبدأ المراحم الإلهية الخاصة، من الألطاف والمراحم ما لا يعد ولا يحصى حتى كانت مسلية لخاطر النبي الرؤوف. ومنذ البعثة والنبوة لم يقبض عزرائيل وعماله روح أحد له تلك الألطاف المتواترة والأفضال المتكاثرة، ولم يكن يومها على وجه الأرض امرأة بل حتى رجل بصلابة الإيمان وحسن الإسلام الذي كانت عليه خديجة. حيث كان في ذلك الزمان أربعة نفر; رجلان وامرأتان من كل ما أظلته السماء من شيوخ وشبان ورجال ونسوان، كانوا أركان العالم وقوام الشرع، أما الرجلان فأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأبوه أبو طالب الذي توفي في عام الحزن، وأما النساء فخديجة الطاهرة وبنتها فاطمة المطهرة.
والآن انظر إلى ما داخل السيد المختار من فقدان هذين الركنين.
والرواية المشهورة على أن ملائكة الرحمة جاءت بالكفن لخديجة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج في جنازتها وهو في غاية الحزن، ونزل في قبرها ووسدها بيده الشريفة في لحدها، وقبرها المطهر في الحجون من مكة في مقبرة المعلى قبالة قبر آمنة بنت وهب أم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد بني على قبرها قبة سنة سبعمائة وسبع وعشرين، ولا زال أهل مكة يزورون تلك التربة الزاكية والبقعة السامية لإظهار الخلوص والمحبة، فينشدون الأشعار وينظمون القصائد ويعلقونها هناك، ويخرجون يوم ولادة الرسول من بيت خديجة إلى مزارها، يحتفلون ويبتهجون،