الكلام هذا والنيران قد خمدت بإذن الله تعال فبينما هم كذلك وسمع مروع الوحوش الخطاف أصوات وضجات وهو من داخل الحصن حتى نظر إلى النيران وهي محاملة بالامام وقومه فنادى الخطاف قومه وقال لهم كيف رأيتم بصر الاله المنيع لقد خاب عن عاده وخالف امره ورضاه فدونكم الغنيمة الشاملة والمسرة الكاملة ان تدركوا ابن أبي طالب قبل ان تلهيه فتأتوا به ذليلا حقيرا إلى الملك الهضام والاله المنيع فيحكم فيه بما يشاء ويختار وتكون لكم الخلع والاكرام والمراتب العظام ثم أسركم لهذا الغلام (قال الراوي) فقال له الرجل يسمى جندب بن عميرة الحميري وكان رجلا مكينا شجاعا رزينا له بصيرة وعقل ورأي سديد يا مروع الوحوش الزم مكانك فهو أصلح لك وقابل ابن أبي طالب وأنت في حصنك فهو أيسر لك واعلم أن هذا ناره أعظم من هذه النار وسيف محمد يطفئ هذه النيران وانا اعرف ما لا يعرفه غيري انا محترق النيران فلما سمع الخطاف ذلك الكلام نهره وزجره وقال له اسكت لا أم لك لقد صرت شيخا كبيرا ولا عقل لك ولا سكن معك سرى الخوف من ابن أبي طالب حتى صار ممتلئا به قلبك وظهري من بين عينيك يا ويلك أيغلب ابن أبي طالب الهنا المنيع وجنده ويكذب رسوله فيما قال لنا ويعدنا بالمحال واني لا أعلم ان يأتيهم الصباح إلا وهم رمادا ويحك اما رأيت رسول المنيع كيف رفع الحصن على يديه حتى كدنا ان نخر على وجوهنا لولا تضرعنا إليه ولو أراد ان يقلب عليهم هذا الجبل لقلبه عليهم ولو أراد ان ان يخسف بهم الأرض لخسفها بهم قال له جندب اما انا فقد نصحتك وحذرتك وما قلت اليوم مالك أمرنا واما انا فلا أفارق مكاني ملازما لموضعي إلى أن انظر ما يكون فقال له مروع الوحوش الخطاف كن مع النساء وعليك بالحرس ثم تركه نزل مغضبا وقال لقومه دونكم وأعداكم فانحدر مع القوم مسرعين فلما خرجوا من الحصن امر جندب بغلق الباب خلفهم وابثاقه بالأقفال وقال لمن بقي معه في الحصن انظروا لا أنفسكم واحفظوا حصنكم
(٥٧)