طالب صلوات الله عليه فأذكره؟ قال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم (1). فلما لم يجد الزهري عليا في قعر الجحيم لم يورد له ذكرا في مغازيه!
قال معمر: كان عند الزهري حديثان عن عروة، عن عائشة في علي (عليه السلام)، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ الله أعلم بهما، إني لأ تهمهما في بني هاشم (2).
كان الزهري أكثر إنصافا لحقائق التاريخ من عروة، ومرة أخرى يبدو الزهري أكثر إنصافا من آخرين ممن عاصروه حين يوجه الطعن التاريخ الذي كان يكتب على عيون بني أمية.
قال معمر: سألت الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية؟ فضحك وقال: هو علي بن أبي طالب، ولو سألت هؤلاء - يعني بني أمية - لقالوا: عثمان!!.
لا شك أن الخبرين المذكورين قد حفظا للزهري موقفا فريدا، إذ نزه قلمه فيهما عن لونين من ألوان اغتصاب الحقيقة التاريخية، فأبى أن يسوق أحاديث علم أنها وضعت للنيل من علي (عليه السلام) وبني هاشم، كما أبى أن يسلبهم حقهم ليمنه آخرين من غيرهم.
تجنب الزهري شيئا من أخبار شيخه عروة حين اتهمه في بني هاشم، وهذه فضيلة يحفظها له التاريخ، وفي مقابل ذلك أعرض عن ذكر سير علي (عليه السلام) ومناقبه إرضاء لبني أمية، وهذه حفظها له بنو أمية! وربما ظن أنه قد سلك مسلكا وسطا، فلا هو أرضاهم في النيل من علي (عليه السلام) وبني هاشم، ولا هو أسخطهم بذكر سير علي (عليه السلام) وبني هاشم.
وبهذا نجح الزهري فكان ذا حظ عند الأمويين لا يقدمون عليه أحدا حتى توفي، ولكن لم يأت هذا النجاح إلا بما هدره من حقائق الدين والتاريخ التي لو أظهرها لكان الزهري عندهم غير الزهري!