ونحوهما.
وعليه: وبما أن اتصاف الإنسان بالشجاعة والعلم والزهد ونحوهم سوف يستتبع عملا خارجيا يجسده صاحبه، فإن ذلك بنفسه يستلزم زيادة الثواب والأجر عند الله تعالى.
فمثلا إذا كان فلان أشجع أهل زمانه، فإنه سوف ينصر دين الله بهذه الشجاعة، وسوف يبلي بلاء حسنا في سبيل الله، ويدافع عن الإسلام أكثر من غيره، وهذا معنى زيادة الثواب لعمله.
وأوضح منه من كان أعبد أهل زمانه، فإن أجره وثوابه مضاعف عمن دونه من العبادة للأعمال التي يقوم بها، ولصدق نيته الخالصة لله تعالى.
* خامسا: أن الأفضل هل من يمتلك الحظ الأوفر في كل المزايا أم في قسم منها؟
ومن الواضح كون الأفضل أفضل في كل شئ، لأن الأفضل إذا كان أفضلا في بعض الأمور وفي البعض الآخر مفضولا لكان غيره فيها أفضل منه وهو خلف.
فالقانون الأساسي الذي يتحكم بالأفضلية، هو كل المزايا والصفات الحميدة التي يحملها أو يحل بها أو يتصف بها، أو الأعمال التي يقوم بها على طبق عمله المستتبع للثواب.
وعليه فلا مانع من وجود من يكون أفضل من بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يملك صفات أفضل ومزايا أعظم.
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (الزلزلة: ٧)..
وهذا لا يلغي فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا المعيار ليس هو مجرد الصحبة وإلا لكان من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو منافق، أو ارتد فيما بعد، أفضل من المؤمن العابد الزاهد والمطيع لله تعالى في كل أموره.
قال تعالى: فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم (المعارج: ٣٦)..
وقال أمير المؤمنين: (خيرنا اتبعنا لهذا الدين) (ترجمة علي من تاريخ دمشق: ٣ / ٨٧ ح ١١١٨، وشرح النهج: ٢٠ / ٢٨ قصار الجمل)..
وأخرج الطبراني عن جبير عن أبي جمعة الأنصاري لأصحابه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا: يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبعناك؟
قال صلى الله عليه وسلم: (ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم الوحي من السماء، بلى قوم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا أولئك أعظم منكم أجرا) (المعجم الكبير: ٤ / ٢٣ ح ٣٥٤٠ ترجمة حبيب بن سباع أبو جمعة، ويقال جنيد بن سبع).
هذا إضافة إلى الروايات في فضل الإمام المهدي قائم آل محمد على عيسى وكثير من الصحابة. (راجع البيان للكنجي: ١١١ - ١١٢، والصواعق المحرقة: ٢٥٤، والرسائل العشرة: ٢٤١، وتاريخ الخميس: ٢ / ٢٨٨ - ٢٨٩).
سادسا: أننا إذا أردنا أن نطبق هذه القواعد المذكورة على أمير المؤمنين عليه السلام فإننا نجدها موافقة له دون غيره من الصحابة، ومن تأملها مع الصفات المتقدمة له يدرك ذلك.
- القاعدة الأولى: فبعلي عليه السلام توسل الأنبياء قبل خلقه وقبل اتصافه بصفة معينة (راجع مناقب ابن المغازلي: ٦٣ ح ٨٩، وصلحالإخوان: ٨٦، وكنز العمال: ٢ / ٣٥٩ ح ٤٢٣٧، والفردوس: ٣ / ١٥١ ح ٤٤٠٩).
٢ - وعلي عليه السلام المتصف بالعصمة الحقيقية وهي صفة ذاتية أزلية.
٣ - وعلي عليه السلام سيد المؤمنين (مناقب الخوارزمي: ٣٢٨، وتاريخ أصفهان: ٢ / ٢٠٠، وغرر البهاء الضوي: ٢٩٨).
٤ - وعلي عليه السلام بضربة الخندق حصل ثواب الثقلين (مناقب الخوارزمي: ١٠٧، والمستدرك:
٣ / ٢٣، والفردوس ٣ / ٤٥٥ ح ٥٤٠٦).
٥ - وعلي عليه السلام بالصفات التي اتصف بها لم تكن لأحد، ويكفي أنه أخو رسول الله صلى الله عليه وآله، كما في حديث المؤاخاة (الطبقات الكبرى: ٣ / ١٦، وذخائر العقبى: ٦٦، وكنز العمال: ١٣ / ١٤٠ ح ٣٦٤٤٠).
٦ - وعلي عليه السلام صدر من محمد ومبثته، هو رباه وعلمه ورتبه وهذبه.
٧ - وعلي عليه السلام يدل على محمد لأنه نفسه، فمدلول علي محمد (فضائل الصحابة لأحمد: ٢ / ٥٧٢، ومصنف ابن أبي شيبة: ٦ / ٣٧٧ ح ٣٢١٢٨).
٨ - وعلي عليه السلام حروفه تدل على الله، فالله هو العلي.
١٠ - وعلي عليه السلام أعلمهم، فعلمه تعلق بأعلى مرتبة من علم الله أو علم رسوله كما يأتي.
١١ - وعلي عليه السلام تعلقت به ذرية محمد والأئمة من بعده، والذي منهم مهدي هذه الأمة عليه السلام.
١٢ - وعلي عليه السلام جاور محمدا صلى الله عليه وآله حول العرش وعلى باب الجنة وعلى جناح جبرائيل، وقبل البعثة وبعدها، وفي كل حروبه سوى تبوك، وبيته كما تعلم، وقصره في الجنة كذلك (مناقب الخوارزمي: ١٤٤ - ١٤٨، وذخائر العقبى: ٦٦، ومنتخب كنز العمال: ٥ / ٣٥ - ٤٦، وكنز العمال: ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٣).
١٣ - وعلي حل حب محمد في قلبه، لأنه أحب الخلق إليه (ذخائر العقبى: ٤٥ - ٦٢، وكنز العمال: ١١ / ٣٣٤ ح ٣١٦٧٠، والمستدرك: ٣ / ١٥٤ - ١٥٧).
١٤ - وعلي عليه السلام أضيف اسمه إلى اسم رسول الله في مواطن، كحديث المؤاخاة وما تقدم من كتابة اسمهما على العرش وباب الجنة وجناح جبرائيل، وكونه صهر محمد وحبيب محمد ونفس محمد.
١٥ - وعلي عليه السلام ابن عم رسول الله وصهره وأبو ذريته.
١٦ - وعلي عليه السلام نفعه أكثر من غيره، ففي زمن النبي صلى الله عليه وآله قام الدين على سيفه، وفي زمن الخلفاء كانوا يرجعون إليه ولم يرجع إلى أحد منهم، والفائدة التي حصلت منه أعظم من جميع الصحابة، وعنه جميع العلوم أخذت وحتى يومنا هذا (كما ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١ / ١٧ إلى ٣٠)، ويكفي أن منه مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا.
١٧ - ينظر السادسة عشرة.
١٨ - وعلي عليه السلام تأثيره أوسع، فقد شمل علمه علم التصوف والنحو والفقه والقضاء (شرح النهج: ١ / ١٨) وعاش في الإسلام أكثر من غيره فتأثيره أوسع لرجوعهم إليه دون العكس.
١٩ - وعلي عليه السلام خلق من نور الله أو من نور محمد فبنيته كبنية محمد (ينابيع المودة: ١ / ١٠ - ١١ - ١٤ - ٥٩، والفردوس: ٢ / ١٩١ ح ٢٩٥٢، ونزهة المجالس: ٢ / ٣٢٠).
٢٠ - وعلي عليه السلام اختاره الله صهرا لمحمد وأخا له، وناجاه دون غيره (أسد الغابة: ٤ / ٢٧، وذخائر العقبى: ٨٥).
فهذه بعض تطبيقات هذه القواعد على صفات أمير المؤمنين عليه السلام.
هذا:
قال المسعودي: والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول الله الفضل هي: السبق إلى الإيمان، والهجرة، والنصرة لرسول الله، والقربى منه، والقناعة وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع، والزهد، والقضاء، والحكم، والفقه، والعلم، وكل ذلك لعلي عليه السلام منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر (مروج الذهب: ٢ / ٤٢٥ ذكر لمع من كلامه - فضائله -).
وبذلك تبين أن الأفضل المستحق للخلافة هو من يمتلك هذه الفضائل والصفات ومعلوم أن الأفضل يقدم على غيره.