ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق، البار الراشد، التابع للحق، الناصح لقومه، الكامل العقل: " يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض " أي عالين على الناس حاكمين عليهم، " فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ " أي لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة، والقوة والشدة لما نفعنا ذلك، ولا رد عنا بأس مالك الممالك.
" قال فرعون " أي في جواب هذا كله: " ما أريكم إلا ما أرى " أي ما أقول لكم إلا ما عندي " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ".
وكذب في كل من هذين القولين وهاتين المقدمتين، فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة، وإنما كان يظهر خلافه بغيا وعدوانا وعتوا وكفرانا.
قال الله تعالى إخبارا عن موسى: " لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر، وإني لأظنك يا فرعون مثبورا * فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا * وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ".
وقال تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ".
وأما قوله: " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " فقد كذب أيضا، فإنه لم يكن على رشاد من الامر، بل كان على سفه وضلال وخبل وخيال،