أن " قال إني عبد الله " اعترف لربه تعالى بالعبودية، وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته، ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: " آتاني الكتاب وجعلني نبيا " فإن الله لا يعطى النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم، كما قال تعالى " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما " وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنا في زمن الحيض، لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبيا مرسلا أحد أولى العزم الخمسة الكبار ولهذا قال: " وجعلني مباركا أينما كنت " وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس " وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا " وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد بالصلاة، والاحسان إلى الخليقة بالزكاة، وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الأصناف وقرى الأضياف والنفقات على الزوجات والارقاء والقرابات وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات.
ثم قال " وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا " أي وجعلني برا بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة وبرأها وأعطى كل نفس هداها. " ولم يجعلني جبارا شقيا " أي لست بفظ ولا غليظ، ولا يصدر منى قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته.