ذكر تعالى هذه القصة بعد قصة زكريا التي هي كالمقدمة لها والتوطئة [قبلها] (1) كما ذكر في سورة آل عمران، قرن بينهما في سياق واحد وكما قال في سورة الأنبياء " وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين.
والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ".
وقد تقدم أن مريم لما جعلتها أمها محررة تخدم بيت المقدس وأنه كفلها زوج أختها أو خالتها نبي ذلك الزمان زكريا عليه السلام، وأنه اتخذ لها محرابا وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سواه، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة فلم يكن في ذلك الزمان نظيرها في فنون العبادات، وظهر عليها من الأحوال ما غبطها به زكريا عليه السلام وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها وبأنه سيهب لها ولدا زكيا يكون نبيا كريما طاهرا مكرما مؤيدا بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لانهم لا يعلمون حقيقة الامر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل (2).
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لا بد (25 - قصص الأنبياء 2)