ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة، التي لابد من كونها ووجودها " لتجزى كل نفس بما تسعى " أي من خير وشر. وحضه وحثه على العمل لها، ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه. ثم قال له مخاطبا ومؤانسا ومبينا له أنه القادر على كل شئ، الذي يقول للشئ كن فيكون: " وما تلك بيمينك يا موسى؟ " أي أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها؟ " قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ". أي بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها، " قال ألقها يا موسى. فألقاها فإذا هي حية تسعى " وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه [هو الذي (1)] يقول للشئ كن فيكون، وأنه الفعال بالاختيار.
وعند أهل الكتاب: أنه سأل برهانا [صادقا (1)] على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر، فقال له الرب عز وجل: ما هذه التي في يدك؟ قال عصاي (2)، قال ألقها إلى الأرض " فألقاها فإذا هي حية تسعى " فهرب موسى من قدامها، فأمره الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها، فلما استمكن منها ارتدت عصا في يده.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: " وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب " أي قد صارت حية عظيمة لها ضخامة [هائلة (3)] وأنياب تصك، وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان،