وكانت دعوته لهما في هذا الحال في غاية الكمال; لان نفوسهما معظمة له، منبعثة على تلقى ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه.
ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال: " يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا " [قالوا وهو الساقي (1)] " وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه " [قالوا وهو الخباز (1)] " قضى الامر الذي فيه تستفتيان " أي وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على كل حالة.
ولهذا جاء في الحديث: " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر (2); فإذا عبرت وقعت ".
[وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا: لما نر شيئا فقال لهما: " قضى الامر الذي فيه تستفتيان (3) "] " وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ".
يخبر تعالى أن يوسف قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي:
" اذكرني عند ربك "، يعنى أذكر أمرى وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك. وفى هذا دليل على جواز السعي (4) في الأسباب، ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.
وقوله: " فأنساه الشيطان ذكر ربه " أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام. قاله مجاهد ومحمد بن