يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم، أي ظهر لهم من الرأي (1) بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت; ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية، وأحمد لأمرها، وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها، فسجنوه ظلما وعدوانا.
وكان هذا مما قدر الله له، ومن جملة ما عصمه به; فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم.
ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي: أن من العصمة أن لا تجد!.
قال الله: " ودخل معه السجن فتيان ": قيل: كان أحدهما ساقى الملك واسمه فيما قيل " نبوا " والآخر خبازه، يعنى الذي يلي طعامه، وهو الذي يقول له الترك: " الجاشنكير " واسمه فيما قيل " مجلث " وكان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما. فلما رأيا يوسف في السجن أعجبهما سمته (2) وهديه، ودله وطريقته، قوله وفعله، وكثرة عبادته ربه، وإحسانه إلى خلقه، فرأى كل واحد مهما رؤيا تناسبه.
قال أهل التفسير: رأيا في ليلة واحدة. أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة (3) وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب، فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه. ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، وضواري الطيور تأكل (4) من السل الاعلى.