وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته، فأبى أشد الاباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين: " رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه، وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين " يعنى إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله.
فأنا ضعيف إلا ما قويتني وعصمتني وحفظتني، وحطتني بحولك وقوتك.
ولهذا قال تعالى: " فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم * ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين * ودخل معه السجن فتيان; قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا، وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربى، إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله، أمر ان لا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعملون * يا صاحبي السجن: أما أحدكما فيسقى ربه خمرا، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الامر الذي فيه تستفتيان ".