يوسف وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أي في ظلمة الليل; ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم.
" قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا " أي ثيابنا " فأكله الذئب " أي في غيبتنا عنه في استباقنا. وقولهم " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " أي وما أنت بمصدق لمنا في الذي أخبرناك من (1) أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمين عندك. فكيف وأنت تتهمنا في هذا؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك، فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه.
" وجاءوا على قميصه يدم كذب " أي مكذوب مفتعل; لانهم عمدوا إلى سخلة (2) ذبحوها، فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه، ليوهموه أن أكله الذئب. قالوا: ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذب النسيان!
ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرج صنيعهم على أبيهم; فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم، لما كان يتوسم فيه من (3) الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته. ولما راودوه عن أخذه فبمجرد ما أخذوه أعدموه، وغيبوه عن عينيه وجاءوا وهم يتباكون، وعلى ما تمالاوا يتواطأون.
ولهذا " قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل * والله المستعان على ما تصفون ".